أحكام انقضاء الشركة في النظام السعودي
تتشابه الشركات باعتبارها شخص اعتباري مع الإنسان كشخص طبيعي في العديد من الأوجه، فالإنسان يظهر إلى الوجود بالميلاد، والشركة تظهر إلى الوجود بإبرام عقد تأسيسها باعتبار أن وقت إبرام العقد يعد بمثابة لحظة الميلاد بالنسبة لها، كما أنها تكتسب الشخصية القانونية بدرجة متفاوتة تختلف قبل قيدها في السجل التجاري وبعد قيدها فيه، وهي تتشابه مع الشخص الطبيعي الذي يكتسب الشخصية والأهلية القانونية بدرجة متفاوتة تختلف مع كل سن يبلغه.
وتتشابه الشركة أيضاً مع الشخص الطبيعي في أن الشخص الطبيعي تنتهي حياته بوفاته، وتنتهي حياة الشركة متى تحقق أحد أسباب انقضائها، لذلك يعد الانقضاء للشركة مقابلاً للوفاة عند الإنسان، وانقضاء الشركات يكون بتحقق نوعين من الأسباب، النوع الأول هو الأسباب العامة التي تنطبق على جميع أنواع الشركات، والنوع الثاني هو أسباب خاصة للانقضاء تختلف من شركة إلى أخرى باختلاف الكيان القانوني لها، سواء في أسباب أو أحكام هذا الانقضاء، وقد تكفل المنظم السعودي بتنظيم أحكام انقضاء الشركات في نظام الشركات السعودي الجديد، وسيكون هذا المقال مخصصاً لبيان أحكام الانقضاء العامة والخاصة بتلك الشركات.
أولاً: المقصود بانقضاء الشركات
لم يتعرض المنظم السعودي إلى بيان التعريف القانوني الصريح لانقضاء الشركات في نظام الشركات السعودي الجديد والصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/132) بتاريخ 1/12/1443هـ، واكتفى ببيان حالات وآثار هذا الانقضاء، تاركاً بذلك التعريف بانقضاء الشركة للفقه القانوني، وقد تصدى الفقه بالفعل لهذا الأمر ووضع بعض التعاريف التي توضح مفهوم الانقضاء بالنسبة للشركات، وفي الأسطر القليلة القادمة سنتناول أهم وأبرز تلك التعريفات.
- عرف بعض الفقه انقضاء الشركة بأنه الحالة التي تنتهي فيها الشركة وينتهي وجودها بتحقق أي سبب من الأسباب التي يترتب عليها انقضائها[1].
- وعرف جانب آخر من الفقه انقضاء الشركة بأنه انحلال وانتهاء الرابطة القانونية التي تربط بين الشركاء في الشركة بتحقق أحد أسباب انتهائها[2].
- استخدم جانب من الفقه لفظ التصفية عوضاً عن الانقضاء في تعريفهم لانقضاء الشركة، حيث عرف هذا الجانب من الفقه انقضاء الشركة بأنه تصفية ما يخص الشركة من حسابات وحصول كل شريك من الشركاء بها على مستحقاته فيها.
وغيرها من التعاريف الأخرى التي لم تخرج في مضمونها عن أن انقضاء الشركة هو زوالها وانتهاء الوجود القانوني لها، بحيث تصبح الشركة غير موجودة وتكون هي والعدم سواء.
ثانياً: الأسباب العامة لانقضاء الشركات
كما سبق وأن أشرنا فقد حدد المنظم السعودي أسباب تنطبق على جميع أنواع الشركات، بحيث إذا تحقق أحد هذه الأسباب لأي شركة بغض النظر عن نوعها أو كيانها القانوني فإن ذلك يعد انقضاء لتلك الشركة، وذلك دون المساس بالأسباب الخاصة بانقضاء كل نوع من أنواع الشركات والتي سنتعرض لها تفصيلاً في محلها.
أما بالنسبة للأسباب العامة التي تنقضي أي شركة بتحقق أياً منها فقد قررها المنظم السعودي بالمادة رقم (243) من نظام الشركات الجديد، والتي نصت في مضمونها على أن (مع مراعاة أسباب الانقضاء الخاصة بكل شكل من أشكال الشركات تنقضي الشركة لأحد الأسباب الآتية: أ- انتهاء المدة المحددة لها – إذا كانت محددة المدة – ما لم تمدد وفقاً لأحكام النظام. ب- اتفاق الشركاء أو المساهمين على حلها. ج- صدور حكم قضائي نهائي بحلها أو بطلانها).
وسوف نتعرض إلى كل سبب من تلك الأسباب بالشرح والتوضيح في هذا القسم من المقال.
1- انقضاء الشركة بانتهاء مدتها
أولى الأسباب العامة التي تنقضي أي شركة بتحققها هو انتهاء المدة المحددة لها بموجب اتفاق الشركاء بعقد تأسيسها، فغالباً ما يتم تضمين عقد الشركة أو نظامها الأساسي لبند يحدد مدة استمرار الشركة بين الشركاء، فتكون الشركة قائمة ومستمرة طوال الفترة المحددة والمتفق عليها بين الشركاء، وبانتهاء تلك المدة تنقضي الشركة وينتهي وجودها.
ويعد هذا السبب من ضمن طائفة الأسباب الإرادية التي تنتهي بموجبها الشركات[3]، لاسيما وأن اتفاق الشركاء عند تأسيس الشركة على مدة استمرارها وتاريخ انتهائها يكون نابعاً من إرادتهم، وبالتالي يكون تأسيس الشركة متعلقاً بإرادتهم، وأيضاً انقضاء الشركة وانتهائها بمضي مدتها مستمداً قوته من إرادتهم.
وإن كانت القاعدة العامة هي انقضاء الشركة بمرور المدة المتفق عليها، إلا أن المنظم السعودي قد استثنى من تلك القاعدة العامة حالة يتم فيها تمديد مدة الشركة عند انتهائها، بحيث تستمر الشركة قائمة على الرغم من انتهاء مدتها، وتتقيد تلك الحالة بأن يكون هذا التمديد وفقاً لما ينص عليه النظام من أحكام، كما هو الحال في اتفاق الشركاء على تمديد الشركة واستمرارها لمدة جديدة يتفق عليها فيما بينهم.
2- انقضاء الشركة باتفاق الشركاء أو المساهمين على حلها
ثاني الأسباب العامة التي تنقضي بموجبها أي شركة هي اتفاق الشركاء بالشركة أو المساهمين فيها على إنهائها، وهو سبب طبيعي ومنطقي خاصة وأن ما ينشأ بالاتفاق يمكن أن ينتهي بالاتفاق أيضاً، والشركات تنشأ بين الشركاء عن طريق التقاء إراداتهم مجتمعة على إنشائها بموجب إبرام عقد الشركة فيما بينهم، وبالتالي فإن انقضاء الشركة يمكن أن يقع أيضاً باتفاق الشركاء والتقاء إراداتهم على ذلك.
وقد ذكر المنظم السعودي في هذا المقام اتفاق الشركاء على إطلاقه، بحيث لم يحدد ما إذا كان اتفاق الشركاء أو المساهمين هنا يقصد به الاتفاق بالأغلبية أم بالإجماع، لاسيما وأن المنظم لم يقل إجماع الشركاء أو المساهمين ولكنه قال اتفاق الشركاء أو المساهمين، كما أنه لم يحدد نسبة الشركاء أو المساهمين اللازم اتفاقهم على إنهاء الشركة وانقضائها، وهو ما قد يطرح تساؤل هام عن المقصود باتفاق الشركاء أو المساهمين على إنهاء الشركة وانقضائها.
ونرى أن تفسير ذلك هو أن الاتفاق بين الشركاء أو المساهمين على إنهاء الشركة يجب أن يكون بالإجماع، حيث أن إنشاء الشركة لا يتم إلا بالتقاء إرادة جميع الشركاء على إنشائها، وبالتالي يجب أن يكون الاتفاق على انقضائها وإنهائها من قبل كافة الشركاء أو المساهمين فيها، وذلك ما لم يكن هناك اتفاق بعقد الشركة أو نظامها الأساسي على نسبة معينة من الشركاء يلزم توافرها لإنهاء الشركة، فالأصل هنا هو الإجماع والاستثناء هو تحديد نسبة أصوات للشركاء أو المساهمين يلزم توافرها لتنقضي الشركة.
3- انقضاء الشركة وفقاً لصدور حكم قضائي نهائي بحلها أو بطلانها
آخر الأسباب العامة لانقضاء الشركات هو انقضائها بموجب حكم قضائي نهائي يصدره القضاء متضمناً إما حل الشركة أو بطلانها، ويكون حل الشركة قضائياً بناء على مطالبة أحد الشركاء أو أكثر بحل الشركة عن طريق اللجوء للقضاء، وتتعدد الأسباب التي يمكن أن يطالب الشركاء بحل الشركة من أجلها، ومنها على سبيل المثال وليبس الحصر عدم إمكانية استمرار الشركة بين الشركاء لوجود خلافات تعيق تحقيق الشركة لأهدافها[4]، ويترتب على انقضاء الشركة بحلها آثاراً قانونية تسري من تاريخ صدور هذا الحكم وليس بأثر رجعي، لاسيما وأن حل الشركة يعد بمثابة فسخ لعقد الشركة، والفسخ لا تحل آثاره بأثر رجعي.
كما تنقضي الشركة أيضاً بصدور حكم قضائي ببطلانها، ويكون هذا البطلان متعلقاً بعقد الشركة، سواء كان لعدم توافر أحد أركانه أو لتخلف أي إجراء من الإجراءات اللازمة لقيام الشركة، ويكون انقضاء الشركة لبطلانها بموجب حكم قضائي مرتباً لآثاره بأثر رجعي، لاسيما وأنه وفقاً للحكم ببطلان الشركة فإن الشركة لا تكون قد نشأت من حيث الأصل لكون سبب البطلان يتعلق بنشأتها وعقد تأسيسها أو نظامها الأساسي، وبالتالي تنسحب آثار الحكم الصادر ببطلان الشركة إلى الماضي، وإن كان ذلك الأثر لا يسري في مواجهة الغير من حسني النية الذين تعاملوا مع الشركة قبل صدور الحكم دون العلم بحقيقة بطلانها.
ونود أن ننوه أن الشركة تظل قائمة ولا تنقضي طالما كان الحكم الصادر بحلها أو بطلانها لا يزال قابلاً للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، لذلك كان المنظم السعودي واضحاً وصريحاً في اشتراطه أن يكون الحكم القضائي الصادر بحل الشركة أو بطلانها هو حكم نهائي.
ثالثاً: الأسباب الخاصة لانقضاء شركات التضامن
عالج المنظم السعودي مسألة انقضاء شركات التضامن بشكل خاص في سياق المادة رقم (50) من نظام الشركات السعودي الجديد، وكان ذلك على النحو الآتي بيانه:
- قرر المنظم السعودي أن شركة التضامن تنقضي في حالة تحقق بعض الأسباب وفي ظل توافر قيد رئيسي، وتتمثل تلك الأسباب في:
- وفاة أحد الشركاء في الشركة.
- الحجر على شريك من الشركاء بالشركة.
- البدء في إجراءات التصفية قبله وفقاً لإجراءات نظام الإفلاس.
- إخراج أحد الشركاء من الشركة.
- انسحاب أحد الشركاء من الشركة.
وقد قيد المنظم السعودي انقضاء شركة التضامن في ظل تلك الأسباب بقيد هام يتمثل في اشتراطه أن يكون عقد تأسيس الشركة متضمناً الاتفاق على انقضاء الشركة في حالة تحقق أياً من تلك الأسباب أو بعضها، فإذا خلا عقد التأسيس من هذا القيد ولم يرد به اتفاق على انقضاء الشركة بتحقق أياً من تلك الحالات، فإن الشركة لا تنقضي إذا توافر أحد هذه الأسباب، بل تظل قائمة بين الشركاء.
وفي حالة وجود مثل هذا الاتفاق وتحقق أحد أسباب انقضاء الشركة، فإن ذلك يترتب عليه أن الشركة تنقضي فقط بالنسبة للشريك الذي تحقق في حقه سبب الانقضاء، بينما تظل قائمة ومستمرة بين باقي الشركاء الآخرين، وتقتصر حقوق الشريك – أو ورثته حال وفاته – الذي انقضت الشركة بالنسبة إليه على نصيبه في أموال وموجودات الشركة دون أي أرباح تحققها الشركة بعد تحقق سبب الانقضاء في حقه، لاسيما وأنه بتحقق هذا السبب تنقطع علاقته بالشركة وما تحققه من أرياح.
- أجاز المنظم السعودي للشركاء في شركات التضامن أن يتفقوا في عقد تأسيس الشركة على عدم انقضاء الشركة في حالة وفاة أحد الشركاء فيها، لاسيما وأن شركات التضامن تقوم من حيث الأصل على الاعتبار الشخصي المتمثل في الثقة المتبادلة بين أشخاص الشركاء، وبالتالي فإنه في حالة وفاة أحد الشركاء فإن هذا الاعتبار الشخصي يستلزم عدم اسمرار الشركة مع ورثة الشريك المتوفي، ولكن المنظم أجاز للشركاء الاتفاق على خلاف ذلك وإقرار استمرار الشركة مع من يريد ذلك من ورثة هذا الشريك المتوفي.
إلا أنه في حالة أن كان أحد أو بعض هؤلاء الورثة الراغبين في الاستمرار في الشركة من القصر أو ممن يمنعهم النظام من ممارسة التجارة، فإنهم لا يتحملون من ديون الشركة إلا نسبة توازي نصيب كل منهم في حصة مورثه – الشريك الأصلي – في الشركة، فلا يكون أياً منهم قادراً على أن يكون شريك متضامن في الشركة، وهو ما جعل المنظم يستلزم في تلك الحالة أن يبادر الشركاء في تلك الحالة إلى تحويل كيان الشركة من شركة تضامن إلى شركة توصية بسيطة خلال مهلة قدرها سنة واحدة يبدأ احتسابها من تاريخ وفاة الشريك، بحيث يظل الشركاء المتضامنين على حالهم والشركاء القصر أو الممنوعين من التجارة من ورثة الشريك المتوفي شركاء موصين في الشركة.
وفي حالة عدم التزام الشركاء بهذه المهلة وعدم تحويلهم كيان الشركة من تضامن إلى توصية بسيطة، فإن المنظم قد رتب على تلك المخالفة جزاء يتمثل في انقضاء الشركة وانتهائها بقوة النظام، ويستثنى من ذلك حالة بلوغ القصر سن الرشد خلال هذا العام فتستمر الشركة على حالها كشركة تضامن.
- متى تحققت أحد أسباب انقضاء الشركة التي أوردناها سلفاً وترتب على تحققها بقاء شريك وحيد من الشركاء في الشركة، كما لو كان هناك ثلاث شركاء توفي أحدهم وانسحب الثاني ولم يتبق سوى الشريك الثالث، فقد منح المنظم هذا الشريك مهلة زمنية قدرها تسعين يوماً ليتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيح أوضاع الشركة، وتتمثل تلك الإجراءات إما بإدخال شريك أو أكثر لاستمرار الشركة كشركة تضامن، أو تحويل الكيان القانوني للشركة إلى كيان قانوني لشركة أخرى من الشركات التي يقرها نظام الشركات، فإذا مضت مهلة التسعين يوماً دون أن يقوم الشريك بذلك فقد قرر المشرع جزاء له يتمثل في انقضاء الشركة بقوة النظام.
رابعاً: الأسباب الخاصة لانقضاء شركات التوصية البسيطة
قام المنظم السعودي بتحديد الضوابط الخاصة بانقضاء شركات التوصية البسيطة في إطار ما جاء بنص المادة رقم (57) من نظام الشركات السعودي الجديد، حيث حدد بعض الأسباب التي تنقضي بموجب تحقق أحدها شركة التوصية البسيطة، وذلك شريطة أن يكون عقد تأسيس الشركة قد تضمن الاتفاق على أن تحقق تلك الأسباب أو بعضها يكون سبباً لانقضاء الشركة، وبالتالي لا يترتب على تحقق أياً من تلك الأسباب انقضاء الشركة إلا إذا كان ذلك الأمر متفق عليه بعقد تأسيسها، وهو ما حدا بالمنظم السعودي إلى اشتراط تحديد أسباب انقضاء شركة التوصية البسيطة في عقد تأسيسها ضمن البيانات الأساسية التي يجب أن يتضمنها ويشتمل عليها طبقاً لما جاء بنص المادة رقم (52/ك) من نظام الشركات.
وبالعودة إلى تلك الأسباب الخاصة بانقضاء شركات التوصية البسيطة متى تم الاتفاق عليها فإننا نجد أنها تتمثل في:
- وفاة شريك من الشركاء الموصين بالشركة.
- الحجر على أي شريك موصي من الشركاء بالشركة.
- إعسار أي شريك موصي من الشركاء بالشركة.
- البدء في اتخاذ إجراءات التصفية وفقاً لنظام الإفلاس ضد أي شريك موصي بالشركة.
- انسحاب أحد الشركاء الموصين من الشركة.
وتقتصر تلك الأسباب على الشركاء الموصين فقط، لاسيما وأن الشركاء المتضامنين تسري عليهم أحكام انقضاء الشركة الخاصة بشركات التضامن نظراً للاعتبار الشخصي المتوافر في حقهم.
خامساً: الأسباب الخاصة لانقضاء شركات المساهمة
لم يقم المنظم السعودي بمعالجة الأسباب والحالات الخاصة بانقضاء الشركة المساهمة في مادة واحدة كما فعل في شأن شركات التضامن والتوصية البسيطة، ولكنه عالج تلك الأسباب والحالات في نصوص متفرقة بنظام الشركات، ومنها ما 1كر بشكل صريح ومنها ما ذكر بشكل ضمني، وتتمثل تلك الأسباب والحالات فيما يلي.
1- الحالة المنصوص عليها بنص المادة رقم (132) من نظام الشركات
قرر المنظم السعودي حالة من الحالات التي قد يترتب على تحققها حل الشركة المساهمة وانقضائها، مع ملاحظة أن قرار حل الشركة وانقضائها في تلك الحالة هو أمر اختياري للمساهمين بالشركة وليس إجبارياً عليهم أن يتخذوه.
وتتمثل تلك الحالة في أن تمنى الشركة المساهمة بخسائر تتجاوز قيمتها نصف قيمة رأس المال المصدر لها، فعندئذ يُلزم المنظم مجلس إدارتها خلال ستين يوماً من علمه بتلك الخسائر بأن يفصح خلالها عن تلك الخسائر وما توصل إليه من توصيات تخص تلك الخسائر، وألزمه أيضاً أن يقوم بدعوة الجمعية العامة غير العادية للشركة للانعقاد خلال مهلة زمنية قدرها مائة وثمانون يوماً من تاريخ العلم بتلك الخسائر، ويكون هذا الاجتماع بهدف اتخاذ قرار يتحدد به مصير الشركة، وهذا القرار لا يخرج عن اتجاهين:
- الاتجاه الأول هو قرار استمرار الشركة وبقائها قائمة مع القيام بتنفيذ مجموعة من الإجراءات التي بموجبها يتم معالجة تلك الخسائر.
- الاتجاه الثاني هو قرار بحل الشركة متى كانت الخسارة المتحققة يصعب معالجتها، فيكون حل الشركة وانقضائها هو القرار الأكثر مناسبة لهذا الموقف، لذلك سبق وأن ذكرنا أن انقضاء الشركة في تلك الحالة هو أمر اختياري وليس إجباري.
2- الحالة المنصوص عليها بنص المادة رقم (229) من نظام الشركات
تتعلق المادة رقم (229) من نظام الشركات السعودي باندماج الشركات، وقبل أن نوضح تلك الحالة من حالات انقضاء الشركة المساهمة يلزم بداية بيان ما هو المقصود باندماج الشركات؟
يقصد بالاندماج في جوهره الانحلال، لاسيما وأن الشركة المندمجة تنحل وتذوب في جوف الشركة الدامجة[5]، والاندماج لا يقتصر على شكل واحد بل هو في حقيقته يظهر في شكلين:
- الشكل الأول يتمثل في الاندماج عن طريق الضم أو ما يعرف بمسمى “الابتلاع”، ويقصد به أن تندمج شركتين قائمتين بحيث تندمج إحداهما داخل الأخرى، فيترتب على ذلك أن الشركة التي اندمجت بالأخرى تنقضي وتنتهي وتذوب في الشركة الدامجة، وتظل الشركة الدامجة قائمة كما هي، حيث تبتلع الشركة الدامجة الشركة المندمجة، وتنتهي الشركة المندمجة وتنتقل كافة حقوقها والتزاماتها إلى الشركة الدامجة[6].
- الشكل الثاني يتمثل في الاندماج بطريق المزج بين شركتين أو أكثر في بوتقة شركة جديدة، وفي تلك الحالة تنقضي الشركات المندمجة جميعها وتذوب وتنصهر لتظهر الشركة الجديدة التي لم يكن لها هناك وجوداً من قبل، فتنتهي كافة تلك الشركات المندمجة وتنتقل حقوقها والتزاماتها إلى الشركة الجديدة.
وبالعودة إلى نص المادة رقم (229) من نظام الشركات السعودي سيتبين لنا من مضمونها أن الاندماج يعد سبباً لانقضاء الشركة المساهمة، حيث نصت تلك المادة على أن (تنتقل بنفاذ قرار الاندماج جميع حقوق الشركة أو الشركات المندمجة والتزاماتها وأصولها وعقودها إلى الشركة الدامجة أو الشركة الناشئة عن الاندماج، وتعد الشركة الدامجة أو الناشئة عن الاندماج خلفاً للشركة أو الشركات المندمجة)، وهو ما يستدل منه على أن الشركات المندمجة تفقد وجودها تماماً بمجرد حدوث الاندماج وفقاً للأحكام والضوابط التي يقررها النظام، فيكون الاندماج أيضاً من الأسباب التي تنقضي معها شركات المساهمة متى كانت تلك الشركات مندمجة وليست دامجة.
سادساً: الأسباب الخاصة لانقضاء الشركات ذات المسؤولية المحدودة
تناول المنظم السعودي الأسباب والحالات التي تنقضي معها الشركات ذات المسؤولية المحدودة في إطار ثلاث مواد بنظام الشركات الجديد وهي المواد أرقام (182) و(183) و(184)، وسوف نتناول الأسباب والحالات التي تضمنتها كل مادة من تلك المواد بشكل منفصل ومستقل.
1– انقضاء الشركة ذات المسؤولية المحدودة طبقاً لنص المادة رقم (182) من نظام الشركات
تناول المنظم السعودي في تلك المادة حالة انقضاء اختياري للشركة ذات المسؤولية المحدودة تشابه حالة انقضاء الشركة المساهمة والواردة بالمادة رقم (132) من نظام الشركات والتي سبق وأن تعرضنا لها في البند (خامساً/1) من هذا المقال، وتتمثل تلك الحالة في تحقيق الشركة ذات المسؤولية المحدودة لخسائر توازي في قيمتها قيمة نصف رأس مال الشركة، فعندئذ يوجب النظام على مدير الشركة أن يوجه الدعوة لانعقاد الجمعية العامة للشركاء لتجتمع، على أن يتم توجيه تلك الدعوة في خلال مهلة زمنية لا تتجاوز ستين يوماً من التاريخ الذي يتصل علمه بتحقق تلك الخسائر، ويكون هذا الاجتماع بهدف إصدار أحد قرارين:
- القرار الأول هو بقاء الشركة قائمة ومستمرة في عملها مع اتخاذ الإجراءات اللازمة والمناسبة لعلاج هذه الخسائر التي تحققت.
- القرار الثاني هو حل الشركة متى كان استمرارها سيسبب المزيد من الخسائر، أو لصعوبة وقف نزيف الخسائر التي تحققها، أو لغيرها من الأسباب الأخرى التي تجعل انقضاء الشركة بحلها هو القرار الأصوب.
2- انقضاء الشركة ذات المسؤولية المحدودة طبقاً لنص المادة رقم (183) من نظام الشركات
تناولت تلك المادة الأحكام الخاصة بانتهاء الشركة وانقضائها بانتهاء مدتها، فالقاعدة العامة هي انتهاء الشركة بانتهاء المدة المتفق عليها في عقد التأسيس، إلا أن المنظم السعودي قد أجاز في تلك المادة مد أجل الشركة قبل انقضاء المدة المتفق عليها وذلك لمدة أخرى، ويكون ذلك بموجب قرار يتم إصداره من قبل الجمعية العامة للشركاء، ويكون ذلك القرار حاصلاً إما على موافقة شركاء يمتلكون ما لا يقل عن نصف حصص رأس مال الشركة، أو على موافقة الأغلبية التي يتفق عليها في النظام الأساسي متى كانت أكبر من تلك الأغلبية (النصف).
وإذا انتهت المدة المحددة المتفق عليها للشركة دون أن يتم اتخاذ قرار بمد أجلها من قبل الجمعية العامة للشركاء، ولكنها استمرت قائمة وظلت تمارس نشاطها، فقد قرر المنظم أن مدة الشركة تمتد بقوة النظام لمدة أخرى مماثلة لمدتها الأصلية المتفق عليها بعقد التأسيس، وفي ظل ذات الأحكام والضوابط والشروط التي وردت بعقد تأسيس الشركة.
وأجاز القانون للشركاء الغير راغبين في تجديد مدة الشركة أو الاستمرار فيها أن يقوموا بالتخارج منها، ولا يتم مد أجل الشركة إلا بعد تقويم حصة الشريك أو الشركاء المتخارجين وبيعها وأداء قيمة تلك الحصص لهم.
3- انقضاء الشركة ذات المسؤولية المحدودة طبقاً لنص المادة رقم (184) من نظام الشركات
وأخيراً فقد قام المنظم السعودي في تلك المادة بتحديد الضوابط الخاصة بحالات انقضاء الشركات ذات المسؤولية المحدودة، حيث حدد بعض الأسباب التي تنقضي بموجب تحقق أحدها الشركة ذات المسؤولية المجدودة وذلك شريطة أن يكون عقد تأسيس الشركة قد تضمن الاتفاق على أن تحقق تلك الأسباب أو بعضها يكون سبباً لانقضاء الشركة، وبالتالي لا يترتب على تحقق أياً من تلك الأسباب انقضاء الشركة إلا إذا كان ذلك الأمر متفق عليه بعقد تأسيسها، وتتمثل تلك الأسباب في التالي:
- وفاة شريك من الشركاء بالشركة.
- الحجر على أي شريك من الشركاء بالشركة.
- إعسار أي شريك من الشركاء بالشركة.
- البدء في اتخاذ إجراءات التصفية وفقاً لنظام الإفلاس ضد أي شريك بالشركة.
- انسحاب أحد الشركاء من الشركة.
سابعاً: الآثار المترتبة على انقضاء الشركات
من أهم الآثار التي تترتب على انقضاء الشركات بمختلف أنواعها والتي تعد أثراً أساسياً لانقضاء الشركة هو التصفية، ويعد انتقال الشركة فور انقضائها إلى مرحلة التصفية هو النتيجة الطبيعية لذلك الانقضاء وذلك بغض النظر عن سبب انقضائها، ويرجع ذلك إلى أن الشركة تجمع بين الشركاء في ملكية رأس مالها وموجوداتها وغيرها من الأموال المشتركة بين الشركاء، والتي يلزم بعد انقضاء الشركة وانتهائها أن يتم قسمتها وتوزيعها على الشركاء طبقاً لحصة كل منهم فيها، وذلك بعد قضاء ديون الشركة والتزاماتها.
ولم يتناول المنظم السعودي التصفية بالتعريف في نظام الشركات السعودي، إلا أن الفقه قد تصدى لها بالتعريف في أكثر من مقام، فرأي البعض أنه يقصد بالتصفية جملة العمليات الإلزامية التي يتم اتخاذها لسداد التزامات وديون الشركة وتحويل موجوداتها وعناصرها إلى أموال سائلة بهدف إجراء عملية القسمة وتحديد نصيب وحصة كل شريك في تلك الأموال المتبقية بعد سداد الديون والالتزامات[7].
وعرفها جانب آخر بأنها عمليات يتم من خلالها تحديد صافي أموال الشركة الذي يتم توزيعه بين الشركاء طبقاً لحصصهم في الشركة، والوفاء بالديون الواقعة على الشركة، وذلك من خلال بيع موجوداتها[8].
كما عرفها البعض الآخر بأنها عملية تشتمل على جملة من الأعمال والإجراءات التي تتم لاستيفاء حقوق الشركة وسداد مديونياتها وحصر موجوداتها بهدف حصر صافي أموالها التي يتم توزيعها وقسمتها على الشركاء كل منهم بحسب حصته في الشركة[9].
وهو ما يمكننا معه تعريف التصفية بأنها عملية قانونية تستهدف استكمال الانعدام القانوني لوجود الشركة، وذلك عن طريق حصر موجوداتها وممتلكاتها وأموالها، وسداد مديونياتها والتزاماتها، وتوزيع وقسمة المتبقي منها بعد ذلك بين الشركاء فيها طبقاً لحصة كل منهم ونصيبه في رأس مالها.
وسوف نكتفي في شأن التصفية بتعريفها فقط، لاسيما وأن الحديث عنها تفصيلاً سيطول لكونها تمثل موضوعاً مترامي الاطراف، لذلك سنترك الحديث عنها بشكل مطول في مقال آخر مكتفين في شأنها بإيراد تعريفها كأهم أثر من آثار انقضاء الشركات.
ثامناً: نموذج من أحكام القضاء السعودي ذات العلاقة
– الحكم الصادر من محكمة جدة التجارية في الدعوى رقم 4865/2ق بتاريخ 2/11/1438هـ، والمؤيد استئنافياً بالحكم الصادر من محكمة الاستئناف بمنطقة مكة المكرمة في الاستئناف رقم 39/2س بتاريخ 4/2/1439هـ، والمتضمن أن (ولما كانت الشركة محل الدعوى من الشركات ذات المسؤولية المحدودة فإنها تعد من شركات الأموال وليست من شركات الذمم، فشركات الذمم إذا وجد خلاف مستحكم بين الأطراف فإن ذلك يعد من الأسباب الخطيرة التي تبرر حل الشركة لتعلق ذمة كل شريك بالآخر، وأما شركات الأموال فهي مستقلة عن ذمم أصحابها وبإمكان مالك الحصة أن يتصرف فيها كما يتم التصرف في الأموال المشتركة)
تاسعاً: الخاتمة
اتسم نظام الشركات الجديد عن سابقه بعدة مميزات، كان أهمها في شأن أحكام انقضاء الشركات بأنه قد جعل الانقضاء الإجباري بقوة النظام في حالة بلوغ الخسائر التي تمنى بها الشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة انقضاء اختياري، مما جعل في يد الشركاء أو المساهمين القدرة على الحفاظ على الشركة واستمراريتها متى كان هناك إمكانية لذلك، وفتح المجال أمام الجمعية العامة بالشركة لاتخاذ التدابير التي تمكنها من السيطرة على تلك الخسائر ومعالجتها، وهو أمر كان له انعكاساته الإيجابية على استقرار العمل في قطاع الشركات التجارية بالمملكة العربية السعودية.
كتابة: أحمد عبد السلام
[1] – صالح بن إبراهيم الحصين – انقضاء الشركات في النظام السعودي مقارناً بالفقه الإسلامي – رسالة ماجستير غير منشورة – المعهد العالي للقضاء – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – المملكة العربية السعودية – 1993 – ص11.
[2] – بلال نابي – انقضاء الشركة التجارية وتصفيتها – مذكرة ماستر غير منشورة – كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة محمد بوضياف المسيلة – الجزائر – 2018/ 2019 – ص6.
[3] – نادية فضيل – أحكام الشركة طبقاً للقانون التجاري الجزائري: شركات الأشخاص – دار هومة للنشر – الجزائر – 1994 – ص67.
[4] – هاني دويدار – التنظيم القانوني للتجارة: الكتاب الثاني: نظرية الأعمال التجارية، موجبات التجار القانونية، المؤسسة التجارية، الشركات التجارية – بدون دار أو بلد نشر – 1998 – ص419.
[5] – معمر خالد – النظام القانوني للمصفي في التشريع الجزائري – مذكرة ماجستير غير منشورة – كلية الحقوق بن عكنون – جامعة الجزائر – 2009 – ص7.
[6] – عباس المنزلاوي – القانون التجاري: الشركات التجارية – ط3 – ديوان المطبوعات الجامعية – مصر – 1992 – ص41.
[7] – إلياس ناصيف – موسوعة الشركات التجارية: تصفية الشركات وقسمتها – ط1 – ج4 – منشورات الحلبي الحقوقية – لبنان – 2011 – ص15.
[8] – مصطفى كمال طه – الشركات التجارية – الدار الجامعية – مصر – 1986 – ص343.
[9] – أسامة المحيسن – الوجيز في الشركات التجارية والإفلاس – ط1 – دار الثقافة للنشر – الأردن – 2008 – ص86.