شرط القوة القاهرة في عقد الوكالة التجارية

أحكام شرط القوة القاهرة في عقد الوكالة التجارية في النظام السعودي

يعتبر عقد الوكالة التجارية من العقود الملزمة للجانبين، إذ أنه يرتب حقوقا والتزامات على كلا طرفيه، فالوكيل يثبت له حقوق بانعقاد هذا العقد كما يقع عليه التزامات والموكل وهو الشركة المنتجة للسلعة لها حقوق وعليه التزامات.

وعقد الوكالة التجارية كغيره من العقود يترتب على عدم تنفيذه أثارا قد يترتب عليها خسارة لطرف من الأطراف أو كليهما، وقد يرجع عدم تنفيذ العقد إلى أحد طرفيه سواء بالإرادة المنفردة أو بالاتفاق بينهما على إنهائه، وقد يكون عدم التنفيذ لا يد لطرفي العقد فيه بأن يكون بسبب القوة القاهرة، وهذا السبب يترتب عليه استحالة تنفيذ العقد.

أولا: مفهوم القوة القاهرة والوكالة التجارية

1- القوة القاهرة

وعرفها البعض بأنها” أمر غير متوقع الحصول وغير ممكن الدفع يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا دون أن يكون هناك خطأ في جانب المدين”([1]).

أما  محكمة النقض المصرية فقد عرفتها في حكم لها واعتبرتها أنها حادث غير ممكن التوقع فان أمكن توقع الحادث حتى لو استحال دفعه، لم يكن قوة قاهرة ويجب أن يكون الحادث غير مستطاع التوقع لا من جانب المدعي عليه فحسب بل من جانب أشد الناس يقظه وبصرا بالأمور، فالمعيار هنا موضوعي لا ذاتي بل هو معيار لا يكتفي فيه الشخص العادي ويتطلب أن يكون عدم الإمكان مطلقا لا نسبيا وعدم أمكان التوقع في المسئولية العقدية يكون وقت إبرام العقد، فمتى كان الحادث غير ممكن التوقع وقت التعاقد كان هذا كافيا حتى ولو أمكن توقعه بعد التعاقد وقبل التنفيذ أما في المسئولية التقصيرية فيكون عدم إمكان التوقع وقت وقوع الحادث([2]).

2- الوكالة التجارية

عرف النظام السعودي الوكالة التجارية في المادة \1 من اللائحة التنفيذية لنظام الوكالات التجارية بأنها” يقصد بالوكالات التجارية بالمتعلقة بتطبيق نظام الوكالات التجارية وتعديلاته كل من يتعاقد مع المنتج أو يقوم مقامه في بلده للقيام بالأعمال التجارية سواء كان وكيلا أو موزعا بأية صورة من صور الوكالة أو التوزيع وذلك مقابل ربح أو عمولة أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها ويشمل ذلك وكالات النقل البحري أو الجوي أو البري وأية وكالات يصدر بها قرار من وزير التجارة”.

ثانيا: شروط القوة القاهرة

ولكي يعتبر الحدث الذي يؤدي إلى استحالة تنفيذ عقد الوكالة التجارية يجب أن تتوافر الشروط الآتية:

1- عدم إمكانية التوقع

فيجب أن يكون الحدث الذ يتسبب في استحالة تنفيذ العقد أن يكون غير متوقعا، بمعنى ألا يكون الشخص قد توقع حدوثه وإنما حدث بشكل طارئ، كما لو تساقطت أمطار غير متوقعة وليس وقتها في هذا الوقت من العام أو سيول منعت ناقلة شحن البضاعة من الوصول أو التحرك إلى الوجهة المحددة.

وتقدير القوة القاهرة يرجع فيها لظروف الواقعة وإمكانية توقعها من عدمه، بحيث إذا كان المدين على علم باحتمالية حدوث حدث طارئ يمنع من أو يعيقه من تنفيذ التزامه ومع ذلك قام بالتعاقد

فلا يجوز الاحتجاج بالقوة القاهرة كسبب لاستحالة تنفيذ العقد، إذ أن تصرفه بذلك يعد تصرفا مقترن بسوء النية وهو بذلك يعد مرتكبا لخطأ يوجب حرمانه من التمسك بانعدام مسئوليته نتيجة قيام القوة القاهرة ([3]).

ولم يكتف الدكتور السنهوري بمعيار الرجل العادي في تقدير التوقع وإنما أخذ بمعيار ” أشد الناس يقظة” إذ يكون الحادث غير مستطاع التوقع لا من جانب المدعي عليه فحسب، بل من جانب أشد الناس يقظة وتبصرا بالأمور، فهو معيار موضوعي وليس شخصي، ويتطلب أن يكون عدم الإمكان مطلقا لا نسبيا ([4]).

2- غير ممكنة الدفع

ويقصد بغير ممكنة الدفع أن يكون الحادث الذي أدى إلى استحالة التنفيذ إما إمكانية التغلب على الوضع الراهن أو إمكانية اجتنابه ([5]).

ولا يكفي للمدين لكي تتحقق إمكانية عدم الدفع أن يثبت المدين أن الحادث كان غير متوقع، بل يجب أن يبين الطابع القهري لهذا الحدث، فلو استطاع دفعه فلا يعد قوة قاهرة ولو توفر شرط عدم التوقع.

أي أنه لا يمكن أن يتحقق استحالة الدفع لنتائج القوة القاهرة التي تترتب عليها كما أنه هناك عدم إمكانية التوقع أو عدم إمكانية دفع الحادث فهو محقق النتائج والوقوع ولا قبل للمدين بمنعها.

وفي جميع الحالات يجب على الطرف محاولة تنفيذ التزامه بأن يتخذ كافة الوسائل التي تمكنه من تنفيذ هذا الالتزام إلا أن هذا الحادث غير المتوقع قد منعه من التنفيذ.

ويجب أن تكون هذه الاستحالة حقيقية مطلقة ترجع إلى القوة القاهرة لا لسبب آخر كامتناع المدين عن التنفيذ، إذ أنه في هذه الحالة يمكن التنفيذ جبرا في مواجهته.

3- أن يكون الحادث خارج عن إرادة المدين

ويقصد أن يكون الحادث خارج عن إرادة المدين، أي أن يكون الحادث ليس بفعله ولا بسببه أو بخطأة وإنما لا دخل لإرادته به، أي يكون سلوك المدين معتدلا فلا يوجد به خطأ ولا يتسبب في القوة القاهرة.

ثالثا: أثر القوة القاهرة على عقد الوكالة التجارية

بطبيعة الحال إذا كان هناك استحالة في التنفيذ للعقد بسبب قوة قاهرة أو حادث طارئ، فيترتب على ذلك انفساخ العقد، إذ أنه يستحيل على الشخص تنفيذه.

ويقصد بانفساخ عقد الوكالة التجارية أي إنهاء وانحلال الرابطة العقدية حكما بقوة القانون لاستحالة تنفيذه لسبب طارئ لا تدخل إرادة الشخص في حدوثه.

عرفه البعض بأنه” انحلال العقد بقوة القانون إذا ما استحال تنفيذ الالتزام العقدي لسبب أجنبي خارج عن إرادة المدين أي لا يد له فيه ([6]).

وجدير بالذكر أنه ينبغي التفرقة بين انفساخ العقد وفسخ العقد، فالانفساخ هو انحلا الرابطة العقدية بدون تدخل من إرادة أي من طرفي العقد أي بسبب خارجي كالقوة القاهرة وذلك حكما بقوة القانون، أما فسخ العقد هو حل العقد بإرادة أحد طرف بالعقد أو باتفاقهما معا.

ورغم اختلافها إلا أنهما يتفقان في نتيجة واحدة وهي أنهما يعيدا المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.

– شروط الانفساخ:

يقع الانفساخ بقوة القانون ودون حاجة إلى أنه يطلبه أحد طرفي العقد، فهو يقع بمجرد استحالة التنفيذ.

أ- الاستحالة المطلقة لتنفيذ العقد

ويقصد بالاستحالة المطلقة أن يكون تنفيذ العقد غير ممكن بأي حال من الأحوال، فلا يكفي تعذر التنفيذ لفترة مؤقته لأن الاستحالة المؤقتة تؤدي إلى وقف العقد بحيث يستأنف سريانه بعد زوال المانع إلا أنه في حالة الاستحالة المطلقة لا يمكن أن يزول المانع.

ب- الاستحالة الكلية

فيجب أن نكون استحالة تنفيذ العقد كاملة، فلا تكفي الاستحالة الجزئية، ذلك أن الاستحالة الجزئية لا تعفي المدين من التزاماته إلافي حدود الاستحالة.

وقد تؤدي الاستحالة الجزئية إلى انفساخ العقد كله إذا كان من شأنها التأثير على الهدف من التعاقد، وقد يبقى العقد مع إنقاصه أي يتم تنفيذه في حدود ما بقي ممكنا إذا كان الجزء المتبقي يحقق المصلحة المرجوة منه ([7]).

ج- أن تكون الاستحالة قد وقعت بعد إبرام العقد

فبطبيعة الحال إذا كان العقد تم الاتفاق عليه حديثا فيجب أن يكون العقد مستوفي لشروطه وممكن تنفيذه، ذلك انه العقد الذي لا يمكن تنفيذه فلا يجوز انعقاده أو بمعنى أوضح، يكون انعقاده باطلا، فاذا كانت الاستحالة موجودة وقت انعقاد العقد فان هذا العقد لا ينعقد أصلا أي يقع باطلا لاستحالة تنفيذه ([8]).

د- أن تكون الاستحالة خارجية

فلكي يترتب على الاستحالة انفساخ العقد، يجب أن ترجع الاستحالة فلكي يترتب على الاستحالة انفساخ العقد، يجب أن ترجع الاستحالة إلى سبب خارجي لا يد لأحد الأطراف فيه، وإنما يكون خارج عن إرادتيهما، أي يكون بسبب القوة القاهرة.

رابعا: الطبيعة القانونية لوقف التنفيذ

يترتب على القوة القاهرة في عقد الوكالة التجارية انفساخ العقد، وهو ما يترتب عليه وقف تنفيذ العقد.

عرفه البعض الآخر بأنه ” سكون تنفيذ العقد لفترة من الوقت حتى انتهاء الظروف التي تواجهه ثم يعود بعدها إلى السريان العادي، أو هو ” نتيجة قانونية تحدث من اجتماع القوة القاهرة العارضة وإمكان زوالها قبل أن يفقد التنفيذ فائدته، فوقف التنفيذ حالة انتقال يحل محلها في المستقبل إما تنفيذ العقد أو فسخه”([9]).

– الطبيعة القانونية لوقف التنفيذ

يعد وقف التنفيذ الناتج عن القوة القاهرة هو فسخ مؤقت للعقد يوقف مفعوله للطرفين خلال فترة القوة القاهرة التي حالت دون التنفيذ في الوقت الذي تبقى فيه الرابطة العقدية صحيحه نافذه قبل مدة الوقف وبعدها.

وبصورة أخرى فان الفسخ ما هو إلا فسخ مؤقت يعرض أثناء وجود عقد مستمر دون أن يؤثر على العقد لا في آثاره السابقة أو اللاحقة على فترة التوقف ([10]).

خامسا: الأساس القانوني للوقف المترتب على القوة القاهرة

نصت غالبية الاتفاقيات الدولية على الوقف المترتب على القوة القاهرة، فلقد نصت اتفاقية الأمم المتحدة للبيع الدولي للبضائع فينا 1980 في المادة \79\ 3 منها على أن” يحدث الإعفاء المنصوص عليه في هذه المادة أثره خلال الفترة التي يبقي فيها العائق قائما”.

فلو تمعنا هذه المادة نجد أنها تعني أن العقد يعاود سريانه فالوقف إلا يكون في فترة وجود العائق.

ولقد نصت غرفة التجارة الدولية في الفقرة السابعة على أنه” وعلاوة على ذلك فإنه أي السبب المنصوص في الفقرة السابعة يوقف مدد التنفيذ أثناء مدة معقولة مستبعدا بذلك في نفس الوقت حق الطرف الآخر في أن يلغي أو يفسخ العقد……. “.

كما يأخذ القانون الدولي الموحد للبيع الدولي للمنقولات المادية (لاهاي 1964) أيضا بنظام وقف تنفيذ العقد، وإن لم يكن قد نص على ذلك صراحة إلا أنه يستشف من نص المادة \ 74\2 من هذا القانون على أنه” إذا ترتب على الظروف استحالة مؤقته فان الطرف الذي تأثر التزامه بهذه الاستحالة يبرأ كلية من تنفيذ هذا الالتزام إذا ترتب على تأجيل التنفيذ أن اختلف الالتزام كلية بحيث يصبح الأطراف أمام التزام آخر بخلاف المنصوص عليه في العقد”([11]).

سادسا: انتهاء وقف التنفيذ

يعتبر وقف تنفيذ عقد الوكالة التجارية نتيجة القوة القاهرة وقفا مؤقتا يزول بإعادة سريان العقد مرة ثانية أو ينتهي الوقف إذ أصبح التنفيذ غير مجد أو غير مفيد فيما تبقى من مدة على تمام التنفيذ:

1- انقضاء الوقف بإعادة سريان العقد

وذلك بمعنى أنه يوقف تنفيذ العقد عندما تزول القوة القاهرة ويستأنف الطرفان سريان العقد، فمجدر زوال القوة القاهرة يحق لكلا الطرفين استئناف سريان العقد بنفس الشروط والأحكام، إلا أن هذا لا يمنع أحد طرفي العقد من تعديل التزاماته إذا ما تأثرت هذه الالتزامات بعوامل خارجية.

2- انقضاء الوقف إذا ما أصبح التنفيذ غير مفيد أو غير مجد

وذلك بمعنى أنه إذا استمر وقف العقد إلى أن أصبح تنفيذه غير مجد أو غير مفيد بأن أصبح بعد ذلك غير مناسب جاز لأي منهما أن ينهي فترو الوقف بفسخ العقد على أساس تحول الاستحالة المؤقتة إلى استحالة نهائية ([12]).

كتابة دكتور \ عبد المنعم حسن الشرقاوي

دكتوراه القانون المدني

([1]) د. عبدالرزاق السنهوري، نظرية العقد، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، ط2، 1998، ص953.

([2]) د. مصطفى عبدالغني عبدلا، القوة القاهرة في قضاء محكمة النقض.

([3]) د. عبدالرزاق السنهوري، الوسيط في القانون المدني، مرجع سابق، ص 878.

([4])د. عبدالرزاق السنهوري، الوسيط في القانون المدني، مرجع سابق، 878.

([5]) موسى اوليدي، عبدالرزاق قادري، أثر القوة القاهرة في العقود الولية، رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، 2018، ص19.

([6]) د. صفاء تقي عبدالنور العيساوي، ص145.

([7]) د. محمد حسين منصور، العقود الدولية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، ص425.

([8]) د. محمد حسين منصور، مرجع سابق، ص425.

([9]) د. صفاء تقي عبدالنور العيساوي، مرجع سابق، ص185.

([10]) د. صفاء تقي عبدالنور العيساوي، مرجع سابق، ص186.

([11])موسى اوليدي، عبدالرزاق قادري، مرجع سابق، ص63.

([12])موسى اوليدي، عبدالرزاق قادري، مرجع سابق، ص66.