الأحكام المتعلقة برأس مال الشركة وتوزيعه ودفعه في النظام السعودي
يشكل مصطلح رأس المال أهمية بالغة في عالم مصطلحات علم الاقتصاد، فهو بمثابة ركناً أساسياً في علم إدارة الأعمال ويتحكم في أنشطتها القائمة والجارية، وفي هدي هذا المقال نقوم بإلقاء الضوء على تعريف رؤوس الأموال وأنواعها، وطرق تقسيمها في أنواع الشركات المختلفة تحت مظلة نظام الشركات السعودي الجديد، بإيجاز من الشرح والتأصيل من خلال العناصر التالية:
(أولاً): تعريف رأس المال وأنواعه
رأس المال مصطلح اقتصادي يشير إلى الأموال والمنقولات والأدوات اللازمة لإنشاء نشاط استثماري أو اقتصادي، بغية الربح أو الإعلام أو العمل الإنساني.
وفي اللغة، يتكون رأس المال من كلمتين: رأس وهو مقدمة الشيء، والمال: وهو الثروة أو شيء يتم توفيره وتراكمه من الدخل، أياً كانت صوره سواء كانت نقود سائلة أو مودعة في البنوك، أو على صورة أصول محتجزة ذات قيمة.
أما في النظريات الاقتصادية، فالرأسمال هو المخزون التراكمي الذي يستعمل في الإنتاج، وهذه النظريات تميز بين الرأسمال الثابت والرأسمال العامل أو الدائر على أساس طريقة نقل قيمة كل منهما إلى المنتج الجديد، حيث أن الرأسمال الثابت يتمثل في الوسائل التي تستخدم في الإنتاج لأكثر من دورة إنتاجية واحدة، وبالتالي تستهلك قيمتها على عدد من الدورات، بينما الرأسمال الدائر تنتقل قيمته إلى المنتجات خلال دورة إنتاج واحدة، وفي كلا الحالتين ينقل رأس المال قيمته إلى الإنتاج دون زيادة، فالرأسمال الثابت ينقلها على دفعات وفي دورات إنتاج متعددة، بينما الرأسمال العامل ينقلها دفعة واحدة ويندمج في المنتجات الجديدة، وحسب النظرية الماركسية يأتي ربح رأس المال على حساب القيمة الزائدة الناتجة من استغلال العمال، أما في النظريات البرجوازية فالربح يأتي نتيجة لتحمل صاحب المشروع المخاطر واعتماده روح المبادرة والتجديد.
– ويُعرَّف رأس مال الشركة بأنه: كل ما يجلب قيمة أو منفعة لمؤسسة ما، سواء كانت قيمة مالية، مثل أصول الشركة والأرصدة المصرفية، أو القيمة المادية، مثل الآلات والمعدات، أو قيمة فكرية، مثل براءات الاختراع أو ملكية فكرية، وحتى يكون عقد الشركة نافذ وساري المفعول بشكل صحيح، يجب على كل شريك متعاقد أن يقدم حصته المرهونة من قبله، وذلك لإن رأس مال الشركة الذي يعتبر ضمانة عامة لدائنيها يشمل المبلغ الإجمالي لهذه الأسهم، سواء رأس المال النقدي المقدم للشركة وقت تأسيسها أو القيمة الاسمية للأسهم العينية، وينقسم رأس المال إلى أجزاء، ويسمى كل جزء حصة أو سهم، ومن أهم مقومات الشركة وجود رأس مال يحقق أهدافها، وتركز الشركات والمؤسسات بشكل أساسي على أربعة أنواع من رأس المال في تأسيسها، بالوصف التالي:
(أولاً)- رأس المال المدين: تميل بعض المؤسسات إلى الحصول على رأس المال عن طريق الاقتراض سواء من مؤسسات خاصة أو حكومية، وهو ما يسمى برأس مال المدين، وحتى يتسنى لأي شركة أو مؤسسة ترغب في الحصول على قروض لتكوين رأسمالها، فإنه يشترط قبل ذلك أن تتمتع بتاريخ ائتماني ذات سمعة جيدة وذلك من أجل نيل ثقة المؤسسات المالية صاحبة الموافقة على صرف القروض.
(ثانياً) ـ رأس المال السهمي: وهو النوع الثاني، والذي يأتي بأشكال وصور عديدة، سواء في شكل أسهم خاصة أو أسهم عامة أو الأسهم العقارية، وتعرف الأسهم العامة على أنها أسهم مدرجة ومتداولة في البورصة من خلال أسهم الشركة، في حين أن الأسهم الخاصة هي تلك الأسهم التي تكون مغلقة على مجموعة من المستثمرين فقط فيما بينهما ولا تتعدى سواهم.
(ثالثاً) ـ رأس المال العامل: يقصد برأس المال العامل، بأنه يمثل الأصول المتداولة للشركة مطروحاً منها التزاماتها وقت استحقاقها، ونتيجة لذلك، فإن الشركات التي لديها التزامات أكثر من الأصول تكون على وشك التعرض لمتاعب ومشاكل اقتصادية، مما يوجب التدخل بشكل سريع قبل أن تسوء الأمور أكثر من ذلك، ويهتم رأس المال العامل بشكل أساسي بقياس مستوى القدرة المالية للشركة على المدى القصير، كما يمثل قدرة الشركة على الوفاء بالالتزامات المختلفة والمستحقة في غضون عام واحد.
(رابعاً) – رأس المال التجاري: ويأتي النوع الرابع من أنواع رأس المال في مصطلح رأس المال التجاري، وهو مصطلح تستخدمه الشركات التي تسعى لتوفير التمويل لمؤسسات أخرى تقوم بعدد كبير من المعاملات اليومية التي تحدد المبالغ المالية المخصصة لبيع أو شراء الأوراق المالية المتنوعة.
(ثانياً): الشركات الخاضعة لقيد الحد الأدنى من رأس المال وطرق تقسيمه
رأس مال الشركة التجارية هو أساس نشأتها وحياتها، فبدون رأس المال لا يمكن تأسيس الشركة أو مزاولة أنشطتها، وتختلف الأنظمة الخاصة برأس المال حسب نوع الشركة وطبيعتها، فهناك بعـض الأحكام تناولها المنظم السعودي في نظام الشركات بالتفصيل والتوضيح في أحكام رأسمالها كشركة المساهمة، حيث وضع حد أدنى لرأسمال هذه الشركات لا يجوز أن تنقص عنه، فقد نصت المادة (59) من هذا النظام على أن: (يجب ألا يقلّ رأس مال شركة المساهمة المصدر عن (خمسمائة ألف) ريال، ويجب ألا يقلّ المدفوع منه عند التأسيس عن الربع )، أما الشركات الأخرى فلم ينص المنظم على حد أدنى قانوني لها، ولعل السبب في ذلك أن الاستثمارات الضخمة تقوم أساساً على حجم رأسمالها الضخم للقيام بأنشطتها الاستثمارية، ومن ثم كان لا بد من إنشاء نوع من الشركات لا ينبني على الاعتبارات الشخصـية للشـريك، ومـن هنـا ظهـرت الحاجـة الملحة إلـى ظهور شـركات الأمـوال،[1] وهو ما حدا بالمنظم السعودي إلى النظر في أهمية تحديد الحد الأدنى لرأسمال المطلوب لقيام هذا النوع من الشركات وتوفير الضمان العام لأشخاص المتعاملين معها، ووفقاً لنص المادة (58) من نظام الشركات، فقد عرفها المنظم بأنها: (شركة المساهمة: هي شركة يؤسسها شخص واحد أو أكثر، من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية، ويكون رأس مالها مقسمًا إلى أسهم قابلة للتداول، وتكون الشركة وحدها مسؤولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها أو الناشئة عن نشاطها، وتقتصر مسؤولية المساهم على أداء قيمة الأسهم التي اكتتب فيها).
– طرق تقسيم رأسمال الشركات المساهمة: ينقسم رأسمال شركة المساهمة إلى أسهم متساوية القيمة، ومن خلال مجموع هذه الأسهم يتكون الرأسمال، لذا وجب شراء تلك الأسهم من قبل المؤسسين أو من أشخاص أخرين لديهم الرغبة في أن يكتسبوا صفة الشركاء في الشركات المؤسسة حديثاً بشرائهم لتلك الأسهم، ويطلق على عملية جمع الرأسمال عن طريق شراء أسهم الشركة مصطلح الاكتتاب،[2] وقد نص المنظم السعودي في المادة (60) من نظام الشركات على أن: (1- يكون لشركة المساهمة رأس مال مصدر يمثل الأسهم المكتتب بها، ويجوز أن يحدد نظام الشركة الأساس رأس مال مصرحًا به.
2- يجوز بقرار من مجلس إدارة الشركة زيادة رأس المال المصدر في حدود رأس المال المصرح به، على أن يكون رأس المال المصدر قد دُفع بالكامل)، وبما أن شركة المساهمة تكون مسؤولية الشركاء فيها محدودة بقدر ما يملكونه من أسهم، الأمر الذي يجعل لرأسمال هذه الشركة أهمية كبيرة باعتباره الضمان الوحيد للمتعاملين معها لذلك حرص المنظم السعودي علـى وضع حد أدنى لرأسمال هذه الشركة بموجب نص المادة (57) من نظام الشركات سالفة الذكر.
– ويزاد رأسمال شركات المساهمة بالتوضيح الوارد بنص المادة (126) من النظام بمنطوقها الجاري على أن: (يزاد رأس المال بإحدى الطرق الآتية: أ- إصدار أسهم جديدة مقابل حصص نقدية أو عينية.
ب – إصدار أسهم جديدة مقابل ما على الشركة من ديون معينة المقدار حالَّة الأداء، بموافقة الدائنين المعنيين. على أن يكون الإصدار بالقيمة التي تقررها الجمعية العامة غير العادية بعد الاستعانة برأي خبير أو مقيم معتمد أو أكثر، وبعد أن يعد مجلس الإدارة بيانًا عن منشأ هذه الديون ومقدارها، ويوقعُ أعضاء المجلس هذا البيان ويكونون مسؤولين عن صحته، ويرفق في شأنه تقرير من مراجع حسابات الشركة.
ج – إصدار أسهم جديدة بمقدار الاحتياطي الذي تقرر الجمعية العامة غير العادية إدماجه في رأس المال، ويجب أن تصدر هذه الأسهم بنفس شكل وأوضاع الأسهم المصدرة من ذات النوع أو الفئة، وتوزع تلك الأسهم على المساهمين دون مقابل بنسبة ما يملكه كل منهم من الأسهم الأصلية.
د – إصدار أسهم جديدة مقابل أدوات الدين أو الصكوك التمويلية).
فضلاً عن، ما نصت عليه المادة (127) من ذات النظام على أن: (1- للجمعية العامة غير العادية أن تقرر زيادة رأس مال الشركة المصدر، أو المصرح به إن وجد بشرط أن يكون رأس المال المصدر قد دفع كاملًا. ولا يشترط أن يكون رأس المال قد دفع بأكمله إذا كان الجزء غير المدفوع منه يعود إلى أسهم صدرت مقابل تحويل أدوات دين أو صكوك تمويلية إلى أسهم ولم تنتهِ بعد المدة المقررة لتحويلها.
2- للجمعية العامة غير العادية في جميع الأحوال أن تخصص الأسهم المصدرة عند زيادة رأس المال أو جزءًا منها للعاملين في الشركة والشركات التابعة أو بعضها، ولا يجوز للمساهمين ممارسة حق الأولوية عند إصدار الشركة الأسهم المخصصة للعاملين، وللجهة المختصة وضع ضوابط وإجراءات تخصيص الأسهم للعاملين في الشركة أو في الشركات التابعة أو بعضها، أو أي من ذلك.
3- في جميع الأحوال، يجب أن تكون القيمة الاسمية لأسهم الزيادة مساوية للقيمة الاسمية للأسهم الأصلية من ذات النوع أو الفئة)
– أما عن طرق تخفيض رأسمال المال، فقد تصدت له المادة (133) بنصها على أن: (يخفض رأس المال بإحدى الطرق الآتية:
أ- إلغاء عدد من الأسهم يعادل القدر المطلوب تخفيضه.
ب- تخفيض القيمة الاسمية للسهم بإلغاء جزء منها يعادل الخسارة التي لحقت الشركة.
ج- تخفيض القيمة الاسمية للسهم برد جزء منها إلى المساهم أو بإبراء ذمته من كلّ أو بعض القدر غير المدفوع من قيمة السهم.
د- شراء الشركة عددًا من أسهمها يعادل القدر المطلوب تخفيضه، ومن ثم إلغاؤها).
ثم أتبعتها المادة (134) بالنص على أن: (للجمعية العامة غير العادية أن تقرر تخفيض رأس المال إذا زاد على حاجة الشركة أو إذا مُنيت الشركة بخسائر، ويجوز في الحالة الأخيرة وحدها تخفيض رأس المال إلى ما دون الحد الوارد في المادة (التاسعة والخمسين) من النظام، ولا يصدر قرار التخفيض إلا بعد تلاوة بيان في الجمعية العامة يعده مجلس الإدارة عن الأسباب الموجبة للتخفيض والتزامات الشركة وأثر التخفيض في الوفاء بها، ويرفق بهذا البيان تقرير من مراجع حسابات الشركة، ويجوز الاكتفاء بعرض البيان المذكور على المساهمين في الحالات التي يصدر فيها قرار الجمعية العامة بالتمرير.
(ثالثا): الشركات غير الخاضعة لقيد الحد الأدنى من رأس المال
فيما عدا شركات المساهمة، لم يتضمن نظام الشركات السعودي الجديد أي قيد لكافة أنواع الشركات من حيث مقدار رأسمالها، ومن بين هذه الشركات واهمهما:
أ– شركة التضامن: شركة التضامن تمثل الشكل الأمثل للشراكة الشخصية لأنها تجمع بين شخصين أو عدة أشخاص يتوافر فيهم صفة التاجر لكلاً منهما، ويكونوا ملتزمين شخصياً بالتضامن فيما بينهم عن كامل التزامات الشركة،[3] ومن ثم تعد أهم ميزة تنفرد بها شركة التضامن، هي المسؤولية الشخصية والتضامنية عن كافة ديون الشركة والتزاماتها، مما مفاده أن دائني الشركة يضمنون عموماً حقوقهم في أموال الشركة وكذا الأموال الشخصية للشركاء، فالشريك لا تتحدد مسؤوليته عن ديون الشركة بقدر حصته، وإنما تتعداها إلى أمواله الشخصية، لذلك فإن لدائني الشركة العديد من المدينين.[4]
ويتكون رأسمال شركة التضامن من مجموع الحصص التي يقدمها الشركاء، حيث نصت المادة (44) من نظام الشركات على أن: (1- لا يجوز أن تكون حصص الشركاء ممثلة في صكوك قابلة للتداول.
2- لا يجوز للشريك أن يتنازل عن حصصه، كلها أو بعضها، إلا بمراعاة القيود التي ينص عليها عقد تأسيس الشركة أو بموافقة باقي الشركاء. ويعد باطلًا كل اتفاق على التنازل عن الحصص دون مراعاة القيود أو موافقة الشركاء، ويجب قيد وشهر هذا التنازل لدى السجل التجاري.
3- يجوز للشريك أن يتنازل للغير عن الحقوق المالية المتصلة بحصته في الشركة، ولا يكون لهذا التنازل أثر إلا بين طرفيه).
– مما تقدم، يتبين أن شركة التضامن مثل أي شركة أخرى يشترط لها المنظم أن يكون لها رأس مال من أجل القيام بأنشطتها، ومع ذلك، فإن المنظم السعودي في نظام الشركات لم يحدد الحد الأدنى لرأس المال فيها، والسبب يرجع في ذلك إلى المسؤولية الشخصية والتضامنية المطلقة، والتي تشمل جميع الالتزامات المالية للشركة، حيث يتسنى لدائني الشركة مطالبة أي من الشركاء سداد ديون الشركة، وبالتالي تعتبر جميع الذمم المالية الشخصية للشركاء ضمانًا عامًا لدائني الشركة.
2-شركة التوصية البسيطة: شركة التوصية البسيطة هي إحدى شركات الأشخاص ، ولكنها في حقيقة الأمر هي مجرد شركة تضامن، بالإضافة إلى الوضع الخاص للشريك المحدود، باعتبار عدم جواز مساءلته عن الخصومة المطلقة التضامنية والمتعددة التي تقع على الشركاء المتضامنين، وإنما فقط يقدم حصته في رأس المال، وتتحدد مسؤوليته بعدد هذه الحصص، فشركة التوصية البسيطة تعطي لكل شريك الفرصة لاختيار نطاق الوفاء بمسؤولياته، فيكون متضامن إذا شاء، وموصي إذا شاء ذلك،[5] وقد عرفت المادة (51) من نظام الشركات هذا النوع بالنص على أن: (1- شركة التوصية البسيطة: هي شركة تتكون من فريقين من الشركاء، فريق يضم على الأقل شريكًا من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية يكون مسؤولًا شخصيًّا في جميع أمواله وبالتضامن عن ديون الشركة والتزاماتها، وفريق آخر يضم على الأقل شريكًا من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية موصيًا لا يكون مسؤولًا عن ديون الشركة والتزاماتها إلا في حدود حصته في رأس مال الشركة، ولا يكتسب الشريك الموصي صفة التاجر.
2- يخضع الشركاء المتضامنون في شركة التوصية البسيطة للأحكام المطبقة على الشركاء في شركة التضامن.
3- تطبق على شركة التوصية البسيطة أحكام شركة التضامن فيما لم يرد به نص خاص في هذا الباب).
ولما كانت شركة التوصية البسيطة تشمل فئتين من الشركاء وهما، الشركاء الموصيين الذين يتحملون مسؤولية محدودة عن ديون الشركة، أي فقط في حدود قيمة الحصص المقدمة في رأسمال الشركة، والشركاء المتضامنون المسؤولون شخصياً وتضامناً بشكل مطلق عن ديون الشركة، مما يعني أن جميع ذممهم المالية الشخصية هي ضامنة لأداء ديون الشركة، في حالة إفلاس الأخيرة، ومن ثم يتضح من ذلك سبب عدم وجود حد أدنى قانوني لرأس مال الشركة بسبب المسؤولية المطلقة للشركاء كما هو الحال في شركات التضامن.
(رابعاً): أنواع حصص رأس المال
الحصص من رأس المال هي جوهر الشركة ومناطها، وفي حالة عدم تقديمها لا يتسنى للشركة القيام بعملها وممارسة نشاطها، ويجب على كل شريك تقديم حصته الخاصة في رأس المال، سواء كانت أموالاً مادية ملموسة مثل المنقولات والعقارات، أو الأموال غير الملموسة مثل الأعمال التجارية، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، وما إلى ذلك، كما تجدر الإشارة إلى انه يجوز أن تكون الحصة المقدمة من الشريك في صورة عمل يقوم به، إلا أنه يجب أن يكون هذا العمل على قدر من الأهمية في حياة الشركة ونشاطها، والحقيقة أن كل ما يصلح أن يكون محل التزام يصلح كذلك أن يكون حصة مقدمة في رأسمال الشركة، وقد نص المنظم السعودي في نظام الشركات الجديد بموجب المادة (13) على أن: (1- يجوز أن تكون حصة الشريك أو المساهم نقدية أو عينية، أو الاثنتين معًا.
2- فيما عدا شركتي المساهمة والمساهمة المبسطة، يجوز أن تكون حصة الشريك عملًا مقابل نسبة في الأرباح يحدد عقد تأسيس الشركة مقدارها، ولا يجوز أن تكون حصته ما له من سمعة أو نفوذ.
3- تكوِّن الحصص النقدية والحصص العينية وحدها رأس مال الشركة.
4- يجوز للمؤسسين أو الشركاء أو المساهمين تقديم حصص أو أسهم في رأس مال الشركة إلى شخص مقابل قيامه بعمل أو خدمات تعود على الشركة بالنفع وتحقق أهدافها، وذلك دون إخلال بأحكام النظام).
– وهو ما نفرد له، بالتفصيل التالي:
أ- الحصص النقدية: حتى يكون عقد الشركة صحيحاً ونافذاً، يجب على كل شريك أن يقدم حصته المرهونة أثناء تأسيس الشركة، حيث يعتبر رأس مال الشركة الممثلة في حصص الشركاء مجملاً ضمانًا عامًا لدائنيها، وليس بالضرورة أن يكون الشركاء متساوين في قدر حصصهم، وعادة ما يكون حصة الشريك عبارة عن نقود، حيث يتعهد الشخص بالحصول على صفة الشريك بتقديم حصة نقدية للشركة بالمقابل، وبحسب قدر هذه الحصة يحق له الحصول على جزء من الأرباح ويتحمل جزءاً من الخسائر، وكأصل عام تكون حصص الشركاء مبالغ نقدية، حتى يتكون من مجموعها رأسمال الشركة، ويمكنها من ممارسة نشاطها على الوجه الأمثل، ومن ثم وجب على كل شـريك أن يقوم بتقديم حصته في الميعاد الموضح بعقد التأسيس دون تقاعس أو تأخير، وإلا التزم بالتعويض، وهو ما جرت عليه المادة (15) من نظام الشركات بالنص على أن: (1- يعد كل شريك مدينًا للشركة بالحصة التي تعهد بها.
2- إذا تأخر الشريك عن تقديم حصته في رأس مال الشركة، في الأجل المحدد لذلك، كان للشركة مطالبته بتنفيذ ما تعهد به تجاهها، أو تعليق نفاذ الحقوق المتصلة بحصصه كالحق في الحصول على أرباح أو حق التصويت في الجمعية العامة أو على قرارات الشركاء، مع احتفاظ الشركة في جميع الأحوال بالحق في مطالبته بالتعويض عن الضرر المترتب على ذلك).
ب- الحصص العينية: كما يجوز للشركاء تقديم حصص نقدية في رأسمال الشركة، فإنهم يجوز لهم أيضاً تقديم حصص عينية، والحصص العينية هي أي أموال لا تعتبر نقوداً، سواء كانت ملكية عقارية أو ممتلكات ومنقولات شخصية، كما أن الممتلكات العقارية من الممكن أن تكون أرضاً أو مباني، أو مصانع، أو مستودعات، وما شابه في ذلك، أما الممتلكات المنقولة، فالمقصود بها الأشياء المادية الملموسة مثل الآلات والبضائع، أو منقولات معنوية نظير براءات الاختراع والعلامات التجارية والنماذج الصناعية والديون المستحقة على أطراف أخرى، فضلاً عن حقوق الملكية الأدبية والفنية، هذا، وقد تقدم الحصة العينية التي يقدمها الشريك للشركة إما على سبيل الامتلاك أو على سبيل الانتفاع، ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنه يلتزم الشريك بتقديم الحصة العينية المرهونة سواء كانت عقاراً أو منقول، مادي أو معنوي كاملة عند تأسيس الشركة دون نقص أو إرجاء، فلا يجوز التعهد بتسليمها فيما بعد، كما يجب أن تكون غير مثقلة بأية أعباء من أي نوع، كأن تكون الحصة مرهونة أو محـل خصومه قضائية وما على ذلك، وقد نصت المادة (14) من نظام الشركات على أن: (1- إذا كانت حصة الشريك أو المساهم حق ملكية أو حق منفعة أو أي حق عيني آخر، كان مسؤولًا وفقًا لأحكام عقد البيع عن ضمان الحصة في حالة الهلاك وضمان التعرض أو الاستحقاق أو ظهور عيب أو نقص في الحصة، وإذا كانت حصته مجرد الانتفاع بحق شخصي على المال طُبّقت أحكام عقد الإيجار، وذلك ما لم يتفق على غير ذلك.
2- إذا كانت حصة الشريك عملًا، وجب أن يقوم بالعمل الذي تعهد به، ويكون كل كسب ينتج من هذا العمل من حق الشركة، ولا يجوز له أن يمارس هذا العمل لحسابه الخاص، ومع ذلك، لا يكون ملزماً بأن يقدم إلى الشركة ما حصل عليه من حقوق على الملكية الفكرية الناتجة عن هذا العمل، إلا إذا اتفق على ذلك).
ومن الجدير بالذكر، كما سلف بيانه أن تقديم الشريك لحصة عينية يكوون بأحد الصورتين:
(الصورة الأولى): على سبيل التمليك
يعد قيام الشريك بتقديم حصته في رأس مال الشركة على سبيل التمليك بمثابة التنازل عنها بمقابل، مما حدا ببعض شراح القانون إلى وصف هذه العملية بأنها شبيهة بأحكام عقد البيع، على الرغم من أن تقديم الحصة على سبيل التمليك لا يجوز بأي حال وصفه بيعاً، لأنه وإن كان يشبه البيع في بعض العناصر والأركان، فهو يختلف عنه كلية في أركان أكثر أهمية،[6] ويجب على الشريك إن كانت حصته عقار القيد في السجل العقاري لنقل ملكية الحصة العقارية المقدمة للشـركة، وفي حالة كانت الحصة المقدمة منقول معين بنوعه فلا بد من الإفراز والتعيين، أما إن كانت بمثابة دين في ذمة الغير وجب في تلك الحالة اتخاذ إجراءات حوالة الحق بأحكامها المبينة بالقانون المدني، أما إذا كانت علامات تجارية أو نماذج صناعية أو حتى ملكية فكرية، فلابد من اتخاذ كافة الإجراءات المتعقلة طبقاً للنظام القانوني الساري بنقـل ملكية هذه الأموال لصالح الشركة.
(الصورة الثانية): على سبيل الانتفاع
إذا ما قام الشريك بتقديم حصته العينية في رأس مال الشركة علـى سـبيل الانتفـاع، فإن الشريك يظل مالكاً لها، ولا يحق للشركة سـوى الانتفاع بها طوال مدة بقاء الشركة وممارسة نشاطها، ونفاذاً لنص المادة (14) من نظام الشركات سالف الإشارة إليها تطبـق على الحصة في هذه الحالة قواعد وأحكام عقد الإيجـار،[7] فيصبح الشريك في مركز المؤجر وفي المقابل تصبح الشـركة فـي مركـز المسـتأجر بحقوق والتزامات متبادلة، مما مفاده أن الشريك يظل مالكاً للمنقول أو العقار الذي تقرر للشركة بموجب عقد التأسيس حق الانتفاع به، مما ينبني عليه أن تلك الحصة بهذا الوصف لا تدخل في ذمة الشركة المالية، كما لا يحق لدائنيها التنفيذ عليها لاسـتفاء ديونهم قبل الشركة، وفي حال تصفية الشركة لأي سبب من الأسباب المشار إليها في نظام الشركات، يسترد الشريك حصته.
(خامساً): خاتمة
مما سبق يتضح أن المنظم السعودي، قد اهتم برأسمال الشركة وقت نشأتها وتأسيسها، وبشكل خاص في شركات الأموال، وذلك، لأن شركات الأشخاص يكون الأطراف المؤسسين لها متضامنين في المسؤولية المطلقة عن ديون الشركة والتزاماتها في جميع أموالهم الشخصية وحصصهم الرأسمالية، خلاف شركات الأموال والتي يكون كل شريك فيها مسؤول فقط بقدر حصته الموضحة بعقد تأسيس الشـركة، الأمر الذي حدا بالمنظم من خلال نظام الشركات أن يحدد قدراً وفيراً من الضمان العام للمتعاملين مع هذا النوع من الشركات، فأوجب الحد الأدنى لرأسمال شركات المساهمة، بمبلغ محدد لا يجوز أن ينقص عنه.
كتابة الأستاذ/ محمد جلال جعفر
[1] – علي البارودي، القانون التجاري، الأعمال التجارية، الشركات التجارية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، د ط، 1999، ص 379.
[2] – فوزي محمد سامي، شرح القانون التجاري، ج 4، شركة المساهمة، مكتبة دار الثقافة، الأردن، د ط، 1997، ص 307.
[3] – ميشال جيرمان، المطول في القانون التجاري، مجلد 2، الشركات التجارية، المؤسسات الجامعية للدراسات والنشر، الإسكندرية، د ط، 2008، ص 183.
[4] – عزيز العكيلي، الوسيط في الشركات التجارية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، د ط، 2007، ص 119.
[5] – علي البارودي، القانون التجاري، الأعمال التجارية، الشركات التجارية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، د ط، 1999، ص 363.
[6] – إلياس ناصيف، الكامل في قانون التجارة، ج 2، الشركات التجارية، عويدات للطباعة والنشر، لبنان، 1999، د ط، ص 27.
[7] – محمد فريد العريني، الشركات التجارية، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية، د ط، 2003، ص 28.