حقوق الوكيل غير الحصري

حقوق الوكيل غير الحصري في النظام السعودي

ظهر عقد الوكالة لتغطية احتياجات التاجر عندما يكون هناك عائق أمام تحقيق جميع مصالحه التجارية، خاصة وأن التاجر (الموكل)، سواء كان شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا، لا يتسنى له أداء جميع أعماله القانونية والالتزام بها لتشعبها وبعض الصعوبات المتلقة بها، مما يؤدي به إلى طلب المساعدة من وكيل متخصص في هذا المجال للقيام بجميع الأعمال المتعلقة بالموكل وفقا لنصوص القانون، ونفاذاً لهذا العقد تنشأ علاقة مباشرة بين طرفيه ترتب حقوق والتزامات متبادلة، ومن خلال السطور القادمة سنقوم بالتعرض لحقوق الوكيل غير الحصري في النظام السعودي، بإيجاز من الشرح والتفصيل في ضوء العناصر التالية:

(أولاً): مفهوم عقد الوكالة التجارية.

من خلال عقد الوكالة التجارية يقوم الموكل بتعيين الوكيل لأنواع معينة من العمل باسمه ولحسابه مقابل أجر معلوم، من أجل تحقيق غرض معين موضوع عقد الوكالة، ولتحديد طبيعة عقد الوكالة يتم النظر إلى موضوع العقد، فإذا كانت علاقة الوكالة تجارية، فعندئذ يكون عقد الوكالة تجاريًا، وإذا كان علاقة الوكالة مدنية، فطبيعة الحال يكون عقد الوكالة يكون مدنيًا، ومع ذلك، بالرغم من التمييز بين نوعي الوكالة، إلا انه ينطبق على بنود الوكالة في العقود، الأحكام والنظم التي تسري على العقود بشكل عام، حتى ولو كانت العلاقة بين الوكيل والموكل علاقة تجارية، ولأهمية نطاق عقود الوكالات التجارية في تنشيط الاستثمار في المملكة العربية السعودية ودفع عجلة التنمية، فقد اهتم بها المنظم السعودي، وأفرد لها نظام خاص يحدد قواعدها وشروطها وأحكامها، وهو نظام الوكالات التجارية، والذي جاء فيه بموجب نص المادة (1) من اللائحة التنفيذية لهذا النظام، بمنطوقها الجاري على أن: (يُقصد بالوكالات التجاريّة المتعلّقة بتطبيق نظام الوكالات التجاريّة وتعديلاته كل من يتعاقد مع المُنتِج أو من يقوم مقامه في بلده للقيام بالأعمال التجاريّة سواءً كان وكيلاً أو مُوزِّعاً بأيّة صورةٍ من صُور الوكالة أو التوزيع وذلك مقابل ربح أو عُمولة أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها ويشمل ذلك وكالات النقل البحري أو الجوي أو البري وأيّة وكالات يصدر بها قرّار من وزير التجارة.

ويجوز للوكيل أو المُوزِّع التعاقد مع مُوزِّعين فرعييّن في نطاق منطقة الوكالة على أن يظل الوكيل أو المُوزِّع الأصلي هو المسؤول عن الالتزامات المُقرّرة نظاماً في مواجهة المُستهلك وبالنسبة لوكالات الخدمات المقصودة في نظام العلاقة بين المقاول الأجنبي ووكليه السعودي فيطبق بشأنها كافة الأحكام المُدّوّنة بالنظام المذكور الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/۲) في ۲۰/۱/۱۳۹۸ هـ).

 

فضلاً عن، ما نصت عليه المادة (2) من ذات اللائحة على أن: (لا يجوز لغير السعودييّن سواءً بصفة أشخاصٍ طبيعييّن أو معنوييّن أن يكونوا وكلاء تجاريين في المملكة العربيّة السعوديّة على أن الشركات السعوديّة يجب أن يكون رأسمالها بالكامل سعوديّاً وأن يكون أعضاء مجالس إدارتها ومُدّيروها ومن لهم حق التوقيع باسمها سعودييّن).

وقد قامت وزارة التجارة في النظام السعودي بتعريف عقود الوكالات التجارية بشكل عام بمقالة: (يقصد بالوكالة التجارية المتعلقة بتطبيق نظام الوكالات التجارية وتعديلاته كل من يتعاقد مع الشركة المنتجة الأم أو من يقوم مقامها في بلدها الأصلي للقيام بالأعمال التجارية، سـواء كان وكيلاً أو موزعاً بأي صـورة مـن صـور الوكالة أو التوزيع، وذلك مقابل ربح أو عمولة أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها، ويجب أن يكون الوكيل التجاري الذي يعمل بالمملكة سـعودي الجنسية، سـواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، على أن الشركة السعودية التي تنوي القيام بأعمال الوكالات التجارية، يجب أن يكون رأس مالها بالكامل سعودياً، وأعضاء مجالس إدارتها ومديريها ومن لهم حق التوقيع باسمها سـعوديين).

ومما سبق، يتبين أن عقد الوكالة حتي يوصف بانه عقد تجاري فلابد من أن تكون العلاقة التي تربط بين الموكل والوكيل علاقة منشأها عمل تجاري من الأعمال التجارية التي صنفها نظام التجارة السعودي على سبيل الحصر، وبالتالي فطبيعة عقد الوكالة التجارية يكون المعيار فيه هو مطالعة الأعمال التي يكلف بها الوكيل من قبل الموكل، فإن كانت تلك الأعمال واردة في النظام التجاري السعودي كانت الوكالة تجارية، وإذا كانت خلاف ذلك، وتم بيانها بأنها من الأعمال المدنية، فتكون الوكالة مدنية،[1] وتجدر الإشارة إلى أن الوكيل التجاري يمكن أن يكون وكيلاً مطلقًا أو وكيلًا متخصصًا، مع ملاحظة أن الوكيل المطلق هو الأنسب للمعاملات التجارية، لأنه في تلك الصورة من الوكالة يتمتع بحرية مطلقة في أداء جميع المهام الموكلة إليه من قبل الأصيل، مما يعني أن الوكيل في الوكالة المطلقة يؤدي عمله وفقًا للقواعد العامة المطلوبة في الوكالة، باستثناء أنه من أجل القيام بذلك يجب أن يمارس العناية العادية ويأخذ في الاعتبار الاهتمام بمصالح الموكل والحرص عليها،[2] بينما في الوكالات المتخصصة، يُسمح للوكيل أن يقوم بممارسة أنشطة تجارية مختلفة ومطلوبة لإكمال العملية دون العودة إلى الأصيل للحصول على إذن في ذلك، بالإشارة إلى أنه في الحالة التي يقدم فيها الموكل تعليمات بشأن المعاملة، فإن تلك التعليمات تكون ملزمة ويجب على الوكيل اتباعها والالتزام بها، مثل تحديد سعر الشراء، أو السعر الذي تباع به البضائع، أو الفترة التي يتعهد فيها الوكيل المعين بتنفيذ المعاملة، أو ما شابه ذلك من تعليمات، وفي حالة مخالفة الوكيل ذلك بدون سبب أو مبرر قانوني يسمح له بذلك، فإنه يحق للموكل قبول أو رفض العملية، ويكون الوكيل مسؤولاً بالتعويض عن الخسائر الناتجة  التي لحقت بالموكل.

 

(ثانياً): خصائص عقد الوكالة التجارية الغير حصرية وأنواعه

من خلال ما تقدم، يتضح أن لعقد الوكالة التجارية الغير حصرية خصائص وسمات يتميز بها عن غيره من العقود، والمتمثلة في الآتي:

أ-  عقد تجاري: لما كان عقد الوكالة التجارية الغير حصري يتصف بأنه عمل تجاري، بالنظر إلى ما جاء به من بنود موضوعية، دون أي اعتبار بصفة الوكيل عما إذا كان تاجر من عدمه،[3] مما يتضح معه، أن العبرة هي بطبيعة العمل المطلوب موضوع هذا العقد في تمييز إن مان عقداً تجارياً أم غير ذلك، دون أدنى اعتبار للنظر في صفة أطراف التعاقد.[4]

ب – عقد من عقود المعاوضة: نظرًا لأن عقد الوكالة التجارية غير الحصري يستند إلى مبدأ المنفعة المتبادلة بين طرفيه، ومن ثم فلا يجوز وصفه بكونه عقد تبرع كما هو الحال في عقد الوكالة المدنية، ما لم يكن هناك شرط متفق عليه على عكس ذلك في العقد، الأمر الذي يؤكد على اعتبار عقد الوكالة التجارية الغير حصرية من عقود المعاوضة.[5]

ج- عقد ملزم لطرفيه: يفرض عقد الوكالة التجارية غير الحصري التزامات مقابلة على طرفيه، مما يجعل كلاً منهما دائنين ومدينين في نفس الوقت، وينبني على ذلك عدم جواز فسخه بالإرادة المنفردة من قبل طرف دون موافقة الأخر.

د- عقد قائم على الاعتبارات الشخصية: تستند عقود الوكالة التجارية غير الحصرية بالدرجة الأولى على اعتبارات شخصية، تراعي فيها الوكيل ومهاراته المهنية وقدرته على أداء العمل المنوط به، وأحد آثار هذه الميزة في العقد هو أن الوكيل لا يجوز تكليف أخرين بالأعمال ذات الصلة بموضوع عقد الوكالة إلا بموافقة صريحة أو ضمنية من الموكل،[6] ولعل من أهم النتائج المترتبة عن قيام عقد الوكالة التجارية الغير حصرية على الاعتبار الشخصي هو انقضائها فور موت أحد طرفيه، إلا في حالة الاتفاق على مخالفة ذلك سلفاً ببنود العقد.

– وفي هدي نص المادة (2) من النظام التجاري السعودي، تنقسم الوكالة التجارية الغير حصرية إلى نوعين من الوكالة، وهما:

(أولاً)- الوكالة بالعقد: وهي عقد يتعهد بموجبه الشخص بأداء نشاط معين لصالح أخر، بشرط أن يتم تنفيذ العمل باسم ولحساب الموكل، مقابل مبلغ معين متفق عليه من المال فيما بينهما، ومع ذلك، في هذا النوع من الوكالات هناك بعض الأعمال التي لا يجوز له القيام بها، ومن أهمها: أنه لا يُسمح لوكلاء العقود بالإفصاح عن الأسرار المتعلقة بالعميل ونشرها، كما أنه لا يحق للوكيل استلام وتحصيل حقوق الموكل فيما يتعلق بعمله.

(ثانياً)- الوكالة بالعمولة: وهي عبارة عن تعهد يقدمه الموكل باسمه الخاص لحساب الوكيل، وفي حالة ما إذا باع الوكيل بسعر أعلى أو أقل من طلب وعرض الموكل، فالأمر متروك للموكل للاختيار بالموافقة على ذلك البيع أو الرفض، ولكن يجب عليه إخطار الوكيل بالرفض في حالة رفضه، وإلا فسيُعتبر سكوته بمثابة تفويض للبيع.

(ثالثاً)- عقد الامتياز التجاري: هو عقد يقوم فيه (مانح الامتياز) بالموافقة على منح الامتياز لطرف أخر (الممنوح له الامتياز) على الانتفاع بحق أو أكثر من حقوق الملكية الفكرية أو النماذج الصناعية أو توزيع منتجاته أو خدماته بشكل مدرج تحت لواء العلامة التجارية للمانح في ضوء تعليماته وتحت رقابته وإشرافه مقابل أجر مادي متفق عليه ببنود عقد الامتياز.

(ثالثا): حقوق الوكيل غير الحصري في النظام السعودي

لما كان الغاية الأساسية من تحرير عقد الوكالة التجارية، هي وجود وكيل بشكل قانوني اتفاقي يتحمل بعض الالتزامات عن التاجر(الموكل) باسمه ولحسابه الشخصي، نظير بعض الحقوق لهذا الوكيل لقاء القيام بتلك الالتزامات مساعدة التاجر في أمور تجارته، وبالتالي وفور تحرير العقد ونشأته صحيحاً خالياً من عيوب الإرادة والأهلية، فإنه يترتب على ذلك قيام بعض أثاره القانونية قبل طرفيه من حقوق والتزامات متبادلة باعتباره عقد من العقود الملزمة للجانبين، وفي ضوء ذلك نفرد السطور القادمة لتوضيح حقوق الوكيل غير الحصري، بالطرح التالي:

أولاً: استحقاق الأجر

نظرًا لأن العمل الذي يستلزم لقيام عقد الوكالة التجارية ونفاذ أثاره هو عمل تجاري بحت، ومن ثم لا يجوز مطلقاً أن يؤدي الوكيل غير الحصري فيه هذا العمل بشكل تطوعي ودون أجر، مما يعني وجوب استحقاق الوكيل لأجر مقابل الأعمال الموكلة إليه بعد أدائها والقيام بها على النحو الأمثل، ومفاد ذلك أن من أهم  التزامات الموكل كحق للوكيل هو التزام الأول بدفع أجر الأخير بالقيمة المتفق عليها بعقد الوكالة مسبقاً، سواء بتعيين قيمة محددة في صورة مبلغ من النقود أو باستقطاع نسبة معينة من قيمة العملية، وقد يتفق طرفي عقد الوكالة على تحديد الأجور المستحقة للوكيل غير الحصري على النحو المحدد وفقًا للممارسات التجارية السائدة، ولكن في حالة الإغفال ببنود العقد على أجر الوكيل، فإنه يجب على الموكل في هذه الحالة دفع مبلغ يتناسب مع جهود الوكيل المبذولة في سبيل أداء العمل الذي كلفه به، مع وجوب استحقاق الوكيل الغير حصري لأجره بمجرد اكتمال الصفقة أو التصرف الذي وكل إليه، وفي المقابل لا يجوز للوكيل الغير حصري مطلقاً المطالبة بالأجر قبل ذلك، كما يستوجب على الموكل الوفاء بأجر الوكيل في حالة عدم تمام الصفقة بسبب خطأ الأول من تقصير أو إهمال، أو خداع بقيامه بإتمام الصفقة بنفسه أو مع وكيل أخر، في الوقت ذاته، وبسبب طبيعة عقد الوكالة التجارية الملزمة لطرفيه، فإنه في المقابل لا يكون الوكيل الغير حصري مستحقاً للأجر، إذا ما تسبب بشكل أو أخر في إلحاق الأذى والضرر للموكل، أو قام بإدخال الغش والتدليس على الموكل أثناء إبرامه للصفقة موضوع العقد، أو تعذر إتمام الصفقة بسبب قوة قهرية أو حادث مفاجئ، لإن في حالة استحالة تنفيذ الالتزام من قبل طرف يترتب انقضاء التزام الطرف الآخر.[7] ومن الجدير بالذكر أنه يجوز الاتفاق بين طرفي عقد الوكالة على استحقاق الوكيل على تقديم نسبة من الأجر وقت بداية الاتفاق، وتأخير الباقي عند إتمام الصفقة، فمناط الأمر في ذلك هو مبدأ سلطان الإرادة لطرفي عقد الوكالة التجارية، وإعمالاً لهذا المبدأ أيضاً يقوم الاتفاق فيما بينهما على تحديد مكان دفع الأجر، فإن تعذر ذلك واتضح من خلال بنود العقد وظروف التعاقد، فيكون دفع الأجر في موطن الموكل تطبيقاً للأحكام العامة في هذا الصدد.

ثانياً: استحقاق النفقات التي تطلبتها تنفيذ الوكالة

في غالب الأحيان يتطلب تنفيذ الوكالة التجارية من قبل الوكيل غير الحصري بعض المصاريف والنفقات اللازمة لاستكمال التصرفات والأعمال الموكلة إليه، مما يتعين على الموكل برد هذه التكاليف والنفقات بالكامل دون نقص أو استقطاع، إلا أنه يشترط في تلك النفقات أن تكون قانونية ومحددة ومتناسبة مع المصاريف التي يلتزم الموكل بإعادتها،[8] فضلاً عن التزام الموكل دائماً برد النفقات الضرورية فقط دون سواه للوكيل غير الحصري حتى لو لم يتم الاتفاق عليها، ويستوي في ذلك الالتزام الملقى على الموكل إتمام الصفقة من قبل الوكيل من عدمه، مادام التزام الأخير هو بذل العناية اللازمة وليس تحقيق نتيجة.

ثالثا: تعويض الوكيل غير الحصري عن الأضرار التي تلحق به أثناء تنفيذ الوكالة

يشترط وجوباً لتيسير الأداء من قبل الوكيل أثناء تنفيذه للأعمال الموكل بها والوصول إلى النتيجة المرجوة من عقد الوكالة، التزام الموكل بتقديم جميع المعلومات والبيانات والمستندات المتعلقة بالصفقة موضوع عقد الوكالة، مما يستتبع قيام مسؤولية الموكل قبل الوكيل في حالة الإخلال بهذا الالتزام، حيث يتجاوز التزام الموكل من وجوب أداء أجر الوكيل غير الحصري ورد ما أنفقه من نفقات أثناء تنفيذ الأعمال موضوع عقد الوكالة، إلى نطاق التزامه أيضاً بتعويض الوكيل عن أي أضرار من أي نوع ألحقت به أثناء تنفيذ الأعمال الموكلة إليه وبسببها، دون الاعتداد بشأن تمام تنفيذ العمل موضوع الوكالة، ومن اللزوم القانوني أنه يجب لإعمال هذا الحق ووفقاً لقواعد المسؤولية العقدية، أن تكون الأضرار التي أصابت الوكيل غير الحصري بسبب خطأ الموكل أو من طبيعة تنفيذ الأعمال الموكلة بالصورة المشار إليها سلفاً، دون أن تتعدى لأي مساهمة من قبل الوكيل في الخطأ الذي ترتب عليه الضرر أو من  تابعيه.

رابعاً: اعتزال الوكيل غير الحصري الوكالة التجارية

من المتفق عليه فقهاً ونظاماً، أنه يجوز للوكيل غير الحصري أن يعتزل الوكالة في أي وقت، حال ما تبين له عدم وجود منفعة مرجوة من بقاء علاقة الوكالة، دون وجوب إفراغ رغبة التنازل في صورة محددة، حيث يستوي في ذلك أن يكون الاعتزال صريحاً، كما من الممكن أن يكون ضمنياً، مع وجب إخطار الموكل في الحالتين، ومن الجدير بالذكر أن اعتزال الوكالة وإعمال أثار هذا الاعتزال لا ينفذ إلا من وقت علم الموكل به، وحرصاً على المصلحة المشروعة للموكل، يجب على الوكيل الانتهاء من كافة الأعمال الموكل بها والتي شرع في تنفيذها قبل قرار الاعتزال،[9] كما يستلزم لمشروعية قرار اعتزال الوكيل أن يكون مبني على أسباب جدية ومعقولة تبيح له ذلك، فضلاً عن مناسبة الوقت بما يتفق مع مصلحة الطرفين، دون تعسف، وفي حالة الإخلال بهذا القيد التزم الوكيل قبل الموكل بالتعويض، ويعد حرية الوكيل في اعتزال الوكالة التجارية بعد توافر أسبابه المشروعة من النظام العام، بحيث لا يجوز الاتفاق في عقد الوكالة التجارية على مخالفة ذلك.[10]

(رابعا): ضمانات الوكيل غير الحصري في النظام السعودي

لضمان مطالبة الوكيل التجاري غير الحصري بحقه والقدرة على استيفائه، فقد تقرر له حق الحبس وفق أحكام القانون المدني، فيما يتعلق بالسلع أو الأموال المرسلة إليه أو المودعة لديه من قبل الموكل أو لحسابه، فضلاً عن حق الامتياز المخول له قانوناً، وذلك بالتوضيح التالي:

(أولاً) – حق الحبس: فالأصل كما سبق التوضيح، هو مطالبة الوكيل غير الحصري بإعادة ما حصل عليه من الموكل أو أي أشياء أخرى تنتمي ملكيتها إلى الأخير، ومع ذلك، إذا لم يفي الموكل بحقوق الوكيل الغير حصري في الأجر أو النفقات سالفة الذكر، فيمكن للوكيل في تلك الحالة أن يحتجز جميع الأموال أو السلع التي يمتلكها الموكل من أجل الحصول على أجره، وكذا كافة النفقات التي تكبدها في أداء هذه الوكالة وتنفيذها، بالإضافة إلى كافة التعويضات عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لذلك، ولضرورة إعمال هذا الحق كضمان للوكيل، فإن الأخير يجوز له استخدام حق الحبس، حتى لو لم تكن هناك صلة مباشرة بين الشيء المحجوز عليه والمبالغ المستحقة للوكيل، وحتى لا يفقد الوكيل التجاري غير الحصري حقه في الحبس، فيتوجب عليه عدم إعادة المال المحجوز عليه، ولكن إن فعل ذلك، وأعادها إلى الموكل، فإنه يسقط حقه في الحبس، ويتبقى له الحق في المطالبة بالدفع.[11]

(ثانياً) – حق الامتياز: يتمتع الوكيل التجاري غير الحصري بحق امتياز على البضائع التي في حوزته، وهذا الحق يسري على كل وكيل تجاري سواء كان وكيلاً تجارياً عادياً أو وكيلاً بالعمولة،[12] ويمنح حق الامتياز للوكيل الغير حصري بالنسبة للبضائع والأشياء المودعة لديه، أو تحت تصرف الغير، سواء تم تسليمها له فعلاً أو فقدها، بشرط أن يكون لديه مستندات تثبت حيازته لها قبل فقدها، ويتكفل حق الامتياز بضمان أتعاب الوكيل التجاري والمصاريف المختلفة التي تكبدها لتنفيذ الوكالة، كما يشمل الامتياز أيضًا كافة المدفوعات التي قام بدفعها الوكيل التجاري إلى الموكل ، سواء قبل أو بعد تسليم البضائع، مثل السعر الذي يدفعه لشخص آخر مقابل البضاعة، وأخر حق نختتم به موضوع هذا المقال، هو حق الوكيل الغير حصري في اعتزال الوكالة، حيث يجوز للوكيل أن يقيل نفسه من الوكالة التي لا يتعلق بها حق الغير وعليه أن يعلن موكله وأن يتابع القيام بالأعمال التي بدأها حتى تبلغ مرحلة لا يخشى معها ضرر على الموكل.

(خامساً): خاتمة

مع زيادة حجة الاستثمارات وتطور الاقتصاد بين البلدان المختلفة، ظهرت ما يعرف بالوكالات التجارية  والتي من خلالها يستطيع التاجر أو المنتج في دولة ما أن يستعين بشخص أو أكثر يسمى الوكيل حتى يقوم بذات نشاطه بكفاءة عالية تحقق له القدرة على المنافسة في الدول المختلفة، وتبين من خلال سطور المقال ماهية التزامات وحقوق الوكيل غير الحصري في عقود الوكالة التجارية بما يضمن لتلك العقود تحقيق الغرض التي أبرمت من أجله، والتي من أهمها أحقيته في الأجر، والنفقات، والتعويضات في حالة توافر مبرراتها، فضلاً عن ما كفله له القانون من ضمانات متمثلة في حق الحبس، وحق الامتياز.

كتابة الأستاذ/ محمد جلال جعفر

[1] – العزيز العكيلي، شرح القانون التجاري، دار الثقافة، عمان ،2005، ص 368-369.

[2] – صالح حميد العلي، المؤسسات المالية الإسلامية، مركز دراسات الاقتصاد الإسلامي، دمشق، 2008، ص 238-239.

[3] – أحمد محرز، القانون التجا ري، الجزء الرابع، العقود التجارية، دار النهضة العربية، بيروت ،1980- 1981، ص 175.

4- هاني محمد دويدار، الوجيز في شرح العقود التجارية والعمليات المصرفية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2003، ص 47.

[5] – سمير جميل حسن الفتلاوي، العقود التجارية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2001، ص 369-372.

[6] – عدنان إبراهيم السرحان، شرح القانون المدني، العقود المسماة في المقاولة، الوكالة، الكفالة، مكتبة دار الثقافة، عمان، 2005، ص 105.

[7] – بسام حمد الطراونة وباسم محمد ملحم، شرح القانون التجاري، مبادئ القانون التجاري، النظرية العامة للأعمال التجارية والتاجر، الدفاتر التجارية، السجل التجاري، المتجر، العنوان التجاري، العقود التجارية، دار المسيرة، عمان، 2010، ص 262.

[8] – العزيز العكيلي، شرح القانون التجاري، دار الثقافة، عمان ،2005، ص 383.

[9] – عدنان إبراهيم السرحان، شرح القانون المدني، العقود المسماة في المقاولة، الوكالة، الكفالة، مكتبة دار الثقافة، عمان، 2005، ص 176.

[10]

[11] – عدنان إبراهيم السرحان، شرح القانون المدني، العقود المسماة في المقاولة، الوكالة، الكفالة، مكتبة دار الثقافة، عمان، 2005، ص 155.

[12] – مصطفى كمال طه، العقود التجارية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2005، ص 103.