تعريف بريادة الأعمال

تعريف بريادة الأعمال في السعودية

انتشر في الفترة الأخيرة مفهوم “ريادة الأعمال” في منطقة الشرق الأوسط وظهر تعريف ريادة الأعمال بأكثر من شكل في العديد من المشاريع الريادية المميزة التي كان أصحابها من الشباب العربي الطموح والتي ساهمت فعليًا بتطوير الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وسوف نتناول جميع ما يتعلق بتعريف ريادة الأعمال من خلال هذا المقال، وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية:

ونقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الرئيسية السابقة، فيما يلي:

أولًا: مفهوم ريادة الأعمال

“إن اللفظ الإنجليزي (Entrepreneurship) مشتق من الناحية اللغوية من لفظ فرنسي هو (Entrepreneur) الذي يُعرب بلفظ بـ “رائد الأعمال”. وعبارة (Entrepreneur) الفرنسية مشتقة من فعل (Entreprendre)، وهو يعني الشروع في إنجاز عمل عادةً ما يكون طويلًا ومعقدًا”([1]).

تُعرف ريادة الأعمال على أنها “الرغبة والقدرة والاستعداد لتنظيم وتطوير وإدارة مشروع جديد. باستخدام المهارات اللازمة لتوقع الاحتياجات وتقديم الأفكار الجديدة إلى السوق. مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحتملة. ويجب أن يتمتع رائد الأعمال بالدافعية والطموح للسعي في بناء مشروعه ووضع خطة شمولية وقابلة للتحديث والتطوير باستمرار، وأن يتميز بالتفكير الإيجابي واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب”([2]).

ثانيًا: تطور مفهوم ريادة الأعمال

بالنظر إلى مفهوم الريادة المعاصر نجد أن هناك الكثير من التغيرات والتحولات التي طرأت عليه على مر العصور. وقد كان لكل حضارة دور مميز وأثر واضح، فمثلًا الحضارة الإنسانية كانت لها مساهمة كبيرة في تطور الأعمال الريادية والحث على العمل وطلب الرزق، لدفع التواكل والاعتماد على الغير، ونقل الخبرات والمنتجات والمواد من خلال التجارة بين البلدان.

وقد شهد العصر الحديث تطورات كبيرة وثورات عديدة أبزها الثورة الصناعية والثورة التقنية، التي ساهمت بتغيير كبير على جميع المستويات وأهمها قطاع الأعمال والتي تمثل ريادة الأعمال جزء مهم ورئيسي فيها، ابتداءً من كتابات عالم الاقتصاد والفيلسوف آدم سيمث، ثم دراسات العالم الكبير شومبيتر الذي تبنى مفهومًا أضاف بُعدًا جديدًا لمفهوم الريادة يعني بأن النظام الاقتصادي إذا دخل في حالة من التوازن بين العرض والطلب فإن ريادة الأعمال تكسر حالة التوازن من خلال الابتكارات الجديدة التي تقدمها، والتي عبر عنها شومبيتر بالمصطلح الشهير لديه بـ  “Creative destruction” حيث تساهم هذه الابتكارات بإحداث نقلة اقتصادية كبيرة إيجابية. بالتالي فإن الربح ليس هو المحفز الوحيد لرائد/ة الأعمال.

ولكن شاب هذا المفهوم الكثير من المغالطات الأدبية وأصبح يتعامل معه بالإطار الضيق وكأن الريادي هو القادر على خلق الفرصة من لا شيء، وأنه يستطيع بقدراته الخارقة توجيه المشروع والتحكم فيه بمعزل عن محيطه وهذا يُخالف ما قصده شومبيتر. وقد حدث بعد ذلك العديد من الأزمات التي هزت أركان الأنظمة الاقتصادية والتي كان من أهمها الأزمة الاقتصادية العالمية.

ثالثًا: مشروعية ريادة الأعمال

تجد ريادة الأعمال مشروعيتها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك على النحو التالي:

1.     القرآن الكريم

هناك العديد من الآيات التي وردت فيها هذه المفردات مثل “أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَٰبِقُونَ”، وأيضًا من أبرز الأمثلة على ذلك الشتاء والصيف التي وردت في سورة قريش.

2.     السنة النبوية

إن السنة النبوية مليئة بالتوجيهات والأحاديث التي تؤكد على فضيلة العمل وتحث عليه وتدعو إلى الاتقان بالعمل وإجادته والبعد عن التقليد والتبعية والاتكال، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال “كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده” رواه البخاري.

وأيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: “ما كسب الرجل أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل عن نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة”.

رابعًا: أهمية ريادة الأعمال

تعد ريادة الاعمال -بما تمتلكه من عناصر ومميزات وخصائص هامة- العصب الرئيسي لتطور المجتمعات. وهي غالبًا ما تساهم في حل المشكلات وتقديم حلول جديدة للمستهلكين. وبشكل عام يمكننا أن نجمل أهمية ريادة الأعمال في النقاط التالية:

1.     خلق فرص العمل

تساهم المشاريع الجديدة التي تنطلق من ريادة الأعمال على خلق العديد من فرص العمل سواءً للمبتدئين أو للأشخاص ذوي المهارات العالية، كما تقوم هذه المشاريع أيضًا بإعادة تنظيم العمالة في المجتمع وتزويد الصناعات الكبرى بالعمالة التي تساهم في تطوير الاقتصاد في حال كانت مستوفية لجميع عناصر ريادة الأعمال وكان لدى الريادي مفهوم جيد حولها.

2.     تحسين مستوى المعيشة

توفر المشاريع الجديدة جحم كبير وجديد من المنتجات والخدمات، إضافةً الى زيادة دخل رواد الأعمال.

3.     المساهمة في تنمية المجتمع

تؤدي ريادة الاعمال إلى تحسين جميع جوانب المجتمع كالتعليم والصحة البنية التحتية الصحية، وإضافة نوع من الاستقرار والتطور وزيادة جوانب التوظيف بحيث تخلق أنواع جديدة للعمل على تطويرها.

4.     تحقيق الاندماج والتكامل

لريادة الأعمال دور هام في تفعيل دور الأقليات والفئات الجديدة في المجتمع، حيث إنها تفتح الفرصة أمام الجميع لتقديم مشاريعهم الريادية.

5.     تشجيع الابتكار

تعمل المشاريع الريادية على تطوير الأفكار وتشجيع تنميتها وهذا بدوره يساعد رواد الأعمال على الحصول على تعريف كامل حول استثمار أفكارهم ضمن المجتمع وخلق منتجات جديدة ومواكبة التكنلوجيا وخلق تطور حقيقي يساعد على تحسين الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

6.     تعزيز البحث والتطوير

توفر المشاريع الريادية فرص لتحقيق الأبحاث والدراسات مع المؤسسات البحثية، وهذا ما يوفر غالبًا تجارب وخبرات في البحث والتطوير عند خلق المنتجات الجديدة في المجتمع.

خامسًا: عناصر ريادة الاعمال

لريادة الأعمال مجموعة من العناصر تتمثل في: الابتكار، المخاطرة، الرؤية، والتنظيم. نتناول كل منهم بالتفصيل على النحو التالي:

1.     الابتكار

يعد عامل الابتكار من عناصر ريادة الأعمال الأساسية اللازمة لنجاح لرائد الأعمال؛ فهو يجعله يستغل الفرص المتاحة ويُمكّنه من التغلب على التهديدات والمخاطر التي تواجهه.

2.     المخاطرة

عندما يُذكر تعريف ريادة الأعمال فلا بد لنا أن نذكر بجانبه المجازفة، فهما عاملان مرتبطان ببعضهما، حيث إن المخاطرة والخروج عن المألوف تمثل العامل الحقيقي الذي يجعل المشاريع الريادية تنطلق وتنجح.

3.     الرؤية

يتمثل هذا العامل في الإجابة على مجموعة من التساؤلات التالية: ما هي الاحتمالات التي يمكن أن يواجهها رائد الأعمال مستقبلًا؟ وكيف يمكن له أن يتغلب على التهديدات التي ستظهر مستقبلًا، إضافةً إلى ذلك فإن الرؤية تساهم في بناء الثقافة التي سيكون عليها المشروع الريادي.

4.     التنظيم

من عناصر ريادة الأعمال التي ينبغي على رائد الأعمال أن يتملكها: المهارات والقدرات ومميزات وعناصر أخرى تساعده على تحقيق التوافق بين المهمات التي يجب تحقيقها في الوقت المناسب، وإدارة الموظفين والتواصل معهم بشكل منتظم وفرز كل عنصر من عناصر رياده الأعمال؛ حتى يتمكن المشروع من تحقيق نتائج سريعة وفعلية في الوقت المناسب.

سادسًا: أهم سمات بنية الشخصية لرواد الأعمال

  1. قدرات عقلية معرفية مثل التفكير التحليلي الناقد، والقدرة على تصنيف المعلومات والمعارف والنظريات، والتفكير الإبداعي، وحل المشكلات، والقدرة على الاستيعاب المعرفي السريع، والقدرة على التركيز والانتباه، الاستنتاج والقدرات العددية، والقدرة على التصور، وسعة الخيال والأفق، والعقل المتفتح والقدرة على المعايرة والتقويم ووضع البدائل والتخطيط والرؤية المستقبلية، والقدرة الفائقة على صنع القرار.
  2. قدرات وجدانية مثل التعاون والثقة في النفس والآخرين والمبادرة والشجاعة بشأن اتخاذ القرارات وإدارة المنظومة وإدارة الذات والآخرين، والقدرات التنظيمية، والبحث عن مصادر التمويل وتطوير الأفكار وربطها بمتطلبات الواقع، والشغف باقتناص الفرص، والقدرة على التسويق والتواصل والانتماء وحب خدمة الآخرين، وحب الإنجاز والتطلع الدائم للنجاح، والقدرة على تحمل الغموض وعدم التأكد.
  3. قدرات أدائية القدرة على إدارة الحوار واستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والقدرة على دراسة السوق وتحديد الحاجات وتحويلها إلى فرص ومنتجات أو خدمات، قدرات تفاوضية، القدرة على تحمل العمل الجماعي وإدارة الفريق، وإدارة الوقت ووضع الميزانيات ودراسة الجدوى.

سابعًا: ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية

وفقًا لرؤية السعودية 2030 فإنه لا يمكن أن تتحقق هذه الرؤية من دون تمكين الشباب في كافة القطاعات الاقتصادية والصناعية، بل وحتى الاجتماعية، لذا قامت السعودية بضخ مبالغ ضخمة لتشجيع ريادة الأعمال في السعودية وقامت بإطلاق عدة مشاريع تنموية تحقيقًا لهذه الرؤية.

تعتبر المملكة العربية السعودية أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي عمود أساسٍ في اقتصادها، فهي عامل مهم من عوامل النمو الاقتصادي السعودي، فهي تخلق فرص عمل لكثير من الشباب، وتعزز بيئة العمل الإبداعي، وتهتم بتنمية أساليب مبتكرة وحديثة على الأراضي السعودية، وتعزز من صادرات المملكة.

ثامنًا: حاضنات ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية

تتميز المملكة العربية السعودية بوجود العديد من حاضنات ومسرعات الأعمال التي تدعم المشاريع الجديدة والمبتكرة وتتبناها.

تعد حاضنات الاعمال بمثابة الأداة لتطبيقات ريادة الأعمال. والبيئة الآمنة التي يمكن من خلالها نمو مشاريع ريادة الأعمال وذواتهم. فهي “وحدة خدمية تهدف إلى تحويل الأفكار والابتكارات إلى مشروعات اقتصادية منتجة، وذلك من خلال تقديم عدد من الخدمات لرواد الأعمال تشمل التأهيل والدعم المادي والمعنوي والاستضافة والإرشاد”([3]).

وقد نشأت عمليًا بمفهومها العصري في أمريكا وقد تشكل مفهوم الحاضنة منذ سنة 1959 على الأقل عندما افتتح مركز بتافيا الصناعي Batavia Industrial Center في بتافيا بنيويورك Batavia, New York. وقد كانت البداية أن واجهت العائلة التي تملك الشركة ديونًا عالية جعلتها تلجأ إلى فكرة تأجير الآلات الصناعية وتدريب المصنعين في موقع الشركة، وتم تطوير الفكرة لتشمل تأجير مبنى الشركة وتأجير مكاتبها ومرافقها للأفراد الراغبين في إنشاء مشاريع صناعية مع توفير الاستشارة الإدارية والفنية.

تاسعًا: تطور ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية

تنبهت المملكة العربية السعودية منذ سنوات طويلة لأهمية ريادة الأعمال، وذلك على الصعيدين الخاص والعام. مما جعلها من الدول الأكثر تقدمًا وتطورًا في هذا المجال بين الدول المحيطة ودول الشرق الأوسط.

لقد تطورت المملكة العربية السعودية تطورًا ملحوظًا في مجال ريادة الأعمال خلال السنوات الأخيرة، حيث تحسن ترتيب السعودية وبلغ المركز 8 على مستوى مجموعة العشرين استنادًا إلى التقرير السنوي للتنافسية العالمية الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية عام 2020.

كما استطاعت السعودية أن تحصد مرتبة بين المراكز السبعة الأولى في مؤشر “الحالة الوطنية لريادة الأعمال” من بين 44 اقتصادًا عالميًا ووطنيًا.

وأيضًا حصلت السعودية على المركز الأول في مؤشر “معرفة شخص بدأ مشروع جديد”، وحققت المركز الثاني في مؤشر “امتلاك المعرفة والمهارات للبدء في الأعمال”.

عاشرًا: مستقبل ريادة الأعمال في السعودية

خططت المملكة العربية السعودية لـ مستقبل ريادة الأعمال بشكل جدي، حيث وضعت رؤيتها في هذا المجال حتى عام 2030. وذلك من خلال توجيه رسائل لرواد الأعمال تتضمن فيها دعمها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال إنشاء العديد من الحاضنات التي تدعم توجه رؤيتها. وقد وضعت المملكة هدفًا استراتيجيا تعهدت بتحقيقه، وهو زيادة نسبة مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الاقتصاد القومي من 20% إلى 35%، وتخفيض معدل البطالة من 11.6% إلى 7%.

ومن الخطوات الفعالة التي قامت بها المملكة العربية السعودية بهدف تشجيع الاستثمار، تحفيز القطاع الخاص بمبلغ 19.19 مليار دولار أمريكي، وقد شملت إعفاءات رسومية كبيرة للشركات الصغيرة، مما يؤدي بدوره إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتعزيز ودعم الشركات الناشئة وقطاع ريادة الأعمال في المملكة.

كما وأن من أبرز ما قامت به المملكة لتشجيع ريادة الأعمال، إطلاق برنامج مِراس الحكومي، والذي يحوي جميع خدمات القطاعين العام والخاص والتي يحتاجها رائد الأعمال كي يبدأ مشروعه الخاص خلال يوم واحد، مما يعد خطوة سباقة في هذا المجال.

وقامت الحكومة السعودية أيضًا بإنشاء الهيئة العامة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تسمى بمنشآت، حيث تختص هذه الهيئة بمساعدة وتعزيز فرص الشركات الناشئة من خلال إزالة كافة العقبات من طريقها وتسهيل حصولها على التمويل المطلوب، بل وحتى مساعدتها في تسويق خدماتها ومنتجاتها وفقًا لمتطلبات السوق المحلي وتحدياته.

إعداد/ محمد محمود

([1]) نور الدين الشابي، الفلسفة وتعليم ريادة الأعمال، (ص 109)

([2]) سلامة صابر العطار، ريادة الأعمال، (ص 36).

([3]) أحمد الشميمري، بداية ريادة الأعمال في السعودية.