الاستثمار الجريء
لعب رأس المال الجريء دورًا مهمًا في الدول المتقدمة ويمكن أن يلعب نفس الدور في الدول النامية. في هذا النوع من التمويل يلتقي المبادر (صاحب الفكرة) مع المستثمر الجريء (مصدر التمويل) في دعم وتطوير هذه الفكرة الناشئة. ويقدم الممول الجريء ليس فقط تمويلًا ماليًا، بل يدعم المشروع بخبراته الفنية والإدارية والتسويقية. وعند نجاح المشروع يحقق الطرفان أرباح رأسمالية عالية. وهناك عدد كبير من الدول العربية التي تدعم رأس المال الجريء لتحفيز الاقتصاد والقطاع الخاص بها، ومنها المملكة العربية السعودية. وسوف نتناول جميع ما يتعلق بالاستثمار الجريء من خلال هذا المقال، وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية:
ونقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الرئيسية السابقة فيما يلي:
أولًا: تعريفات هامة
نتناول عدد من التعريفات الهامة فيما يتعلق بالاستثمار الجريء فيما يلي:
- الاستثمار:
عرف أحد الاقتصاديين الاستثمار بأنه “تنمية المال في أي مجال من المجالات، مع مراعاة الأحكام الشرعية عند استثماره، فهو ثمرة المال ونمائه، سواء كان ذلك في التجارة، أو الصناعة، أو غيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
- مفهوم المخاطر أو الجرأة:
المخاطرة في اللغة مشتقة من الخطر، والجرأة كما قال ابن منظور بمعنى: الشجاعة والإقدام على الشيء. أما مفهوم المخاطرة في الاقتصاد فهي احتمال الفشل في تحقيق العائد المتوقع.
- الشركات الناشئة:
“تعد الشركة الناشئة شركة حديثة النشأة. وهي شركة تحمل أفكار ريادية وسباقة تمثل حلول لمشكلة قائمة، وتمثل نقطة انطلاق للبحث والتطوير، وتمتاز هذه الشركات بمخاطر عالية جدًا ولهذا ففرص حصولها على التمويل منخفضة جدُا، كما أنها لا تقتصر على مجال التكنولوجيا، بل يمكن أن نجدها في أي مجال أو قطاع”([1]).
ويعتبر الحصول على الدعم والتمويل اللازم أحد أكثر الأمور التي تشغل اهتمام المستثمرين ورواد المشاريع الناشئة، فالفكرة وحدها، مهما كانت مبتكرة ورائدة لن تتحقق طالما لم تتحول إلى مشروع قائم بالفعل، ويعد الاستثمار الجريء مورد تمويلي هام لهذه المشاريع، حيث يسمح ببقائها ونموها.
ثانيًا: مشروعية الاستثمار
يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز: “وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ” [البقرة: 283]
قال القرطبي في تفسير الآية السابقة لما أمر الله تعالى بالكتب، والإشهاد، وأخذ الرهان؛ فكان ذلك نصًا قاطعًا على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها. وهكذا أتى مصطلح الاستثمار ضمن معنيين في كتب الفقه والأصول، الأول: الاستثمار المعنوي، كما ورد في عبارة الإمام الغزالي، والثاني: الاستثمار الاقتصادي، كما ورد في عبارة القرطبي.
ثالثًا: ماهية الاستثمار الجريء وسبب تسميته بهذا الاسم
يسمى أيضًا بـ رأس المال المخاطر أو الاستثمار المغامر. “هناك العديد من التعاريف لرأس المال الجريء (Venture Capital) أو المشاركة الفاعلة، إذ يُراد به التمويل والاستثمار من خلال المشاركة والمساهمة الفعالة في الإدارة؛ حيث يقدّم الممول للشركة المستقبلية للتمويل المال والخبرة الإدارية والتنفيذية، والهدف من ذلك إيجاد قيمة مضافة للشركة خلال فترة التمويل”([2]).
ويستهدف هذا النوع من التمويل الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة التي يُعتقد أن لديها إمكانات نمو عالية في المراحل المبكرة، في مقابل حقوق الملكية أو حصة الملكية. حيث إن الشركات الصغيرة والمتوسطة عادةً ما تواجه صعوبات في هذا المجال، إذ إن النظام المصرفي يرفض منحها القروض؛ نظرًا لعدم توافر الضمانات. وفي هذه التقنية يتحمل المستثمر كليًا أو جزئيًا الخسارة في حالة فشل المشروع المُموَّل. ومن أجل التخفيف من حدة المخاطر، فإن المُخاطر لا يكتفي بتقديم النقد فحسب، بل يُساهم في إدارة المؤسسة بما يحقق تطورها ونجاها.
ومن الجدير بالذكر أن هناك نوعان من الجهات الممولة للشركات الصغيرة والناشئة عبر آلية الاستثمار الجريء؛ النوع الأول: وهو عبارة عن مستثمر أو مجموعة من مستثمرين سواء كانوا أفردًا أو بنوكًا أو مؤسسات مالية، يقومون بضخ أموالهم في شركة ما بشكل مباشر ويتولون إدارة هذه الشركة بأنفسهم. النوع الثاني: وهو صناديق الاستثمار التي تدرس نتائج أعمال الشركات الصغيرة أو المتوسطة الناشئة ثم تُقنع مستثمرين آخرين بضخ أموالهم والاستثمار فيها، ويكون الصندوق هو المسؤول الأول عن عملية الاستثمار وليس الممولون.
وأطلق مسمى “الاستثمار الجريء” لأنه يستهدف الأموال الجريئة والمستثمرين الذين يمتلكون شغف المغامرة ويرغبون في أن يكونوا سباقين في الاستثمار بمراحله الأولى حتى ينضج ويقف على قدميه، وبالتالي تلحق بهم بقية المستثمرين، وهنا يكون دخول المستثمر أقل تكلفة وأكثر ربحًا في حال تحقق نجاح استثماره بمشروع أو فكرة ما.
رابعًا: نشأة الاستثمار الجريء
“يتفق الباحثون على أن البداية المؤسسية لهذا النوع من التمويل كانت بعد الحرب العالمية الثانية (1946) وإن كان هناك تجارب لبعض العائلات الثرية والمستثمرين الأفراد قبل هذا التاريخ. فقد كانت العائلات الثرية مثل Rockefellers وWarburgs وVanderbilts هي المستثمرين الأكثر شعبية في الشركات الناشئة”([3]).
تم إنشاء الشركة الأمريكية للبحث والتطوير (ARDC)، وهي أول شركة رأس مال مخاطر على الإطلاق، في عام 1946، وهي فريدة من نوعها في توفير التمويل من مصادر أخرى باستثناء العائلات الثرية.
يعتبر جورج دوريو، مؤسس ARDC’S، الأب لرأس المال الاستثماري لتأسيس أول شركة رأسمالية مجازفة مملوكة للقطاع العام على الإطلاق. قبل إنشاء ARDC، انتقل دوريو من فرنسا إلى الولايات المتحدة للحصول على شهادة في إدارة الأعمال. درس لاحقًا في كلية هارفارد للأعمال وعمل أيضًا كمصرفي استثماري.
وقد قام دوريو وبعض موظفيه السابقين في ARDC بتمويل بعض أكثر الشركات نجاحًا في الولايات المتحدة، بما في ذلك Morgan وHolland Venture وGreylock Partners. تعد شركة Digital Equipment Corporation (DEC) التي قام بتمويلها بمبلغ 70000 دولار في عام 1957إحدى استثماراته الناجحة. وقد زادت قيمة الشركة إلى أكثر من 355 مليون دولار خلال طرحها العام الأولي في عام 1968، وهو ما يمثل عائدًا سنويًا بنسبة 101٪.
وبدأت رأسمالية المجازفة في التبلور في عام 1958 بعد سن قانون استثمار الأعمال الصغيرة. أعطى القانون رابطة الأعمال الصغيرة سلطة ترخيص الشركات الاستثمارية الصغيرة في الولايات المتحدة. منح الترخيص شركات الاستثمار الوصول إلى أموال منخفضة التكلفة ومضمونة من الحكومة لمساعدتها على الاستثمار في الشركات الأمريكية الناشئة.
كما شهدت الصناعة تباطئًا في الثمانينيات، حيث سجلت بعض الشركات خسائر لأول مرة. كان التباطؤ ناتجًا بشكل أساسي عن زيادة العرض في الاكتتابات العامة الأولية، ومديري الصناديق الذين يفتقرون إلى الخبرة، وزيادة المنافسة. كما واجهت شركات الاستثمار الجريء في الولايات المتحدة منافسة من الشركات الأجنبية، وخاصة من اليابان وكوريا.
واستؤنفت العمليات العادية في التسعينيات قبل أن تتضرر في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أثناء انهيار الدوت كوم. تعرض أصحاب رؤوس الأموال الذين استثمروا في شركات التكنولوجيا لخسائر فادحة. منذ ذلك الحين، شهدت الصناعة نموًا تصاعديًا، مع أكثر من 47 مليار دولار في رأس المال الاستثماري اعتبارًا من 2014.
خامسًا: الفرق بين رأس المال الجريء والاستثمار بالأسهم
يتوجه كل من رأس المال الجريء والاستثمار بالأسهم إلى فئتين مختلفتين من الشركات، ففي حين يلبي الأول الاحتياجات المالية للشركات الناشئة، يركز الثاني على الشركات القائمة. ولكن في الاستثمار الجريء يُقتطع جزء من رأس مال الشركة الناشئة لصالح المستثمرين الجدد، فهم مغامرون يشاركون في رأس المال المدفوع للشركة وكذلك في إدارتها المباشرة، وفي هذه الحالة تكون المخاطرة عالية وكذلك الربح عن نجاح المهمة الاستثمارية.
أما عن مستثمرو الأسهم الخاصة فهم يستهدفون الشركات الكبرى ذات الأعمال القائمة والتي لديها خبرة، ولا يشترط أن يكون حامل الأسهم مساهمًا في إدارة الشركة، وإنما ينحصر دوره في حضور اجتماعات الجمعيات العمومية والمشاركة بالتصويت على القرارات، وبالتالي نجد أن الاستثمار في الأسهم الخاصة عادةً ما يكون أقل مخاطرة من الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة.
سادسًا: خصائص الاستثمار الجريء
يتصف هذا النوع من التمويل ب([4])ـ:
- أنه تمويل بالملكية أي مشاركة مع صاحب الفكرة أو مالك براءة الاختراع.
- أن هذا التمويل ليس فقط دعمًا ماليًا، بل يتم من خلاله نقل خبرات شركة التمويل في المجالات المتعددة التي تهم الشاب صاحب الفكرة من الناحية الفنية والإدارية والتسويقية، خاصةً أن هذا النوع من الشركات لديه علاقات واسعة داخل السوق.
- التمويل في الغالب يتم على مراحل وبالتالي يتمكن الطرف الممول من تخفيف مخاطره في المشروع ويُحفز هذا الأسلوب المبادر لبذل جهدًا أفضل لنجاح المشروع حتى يحصل على دفعات جديدة من التمويل.
- العائد من المشاريع يأتي من خلال الأرباح الرأسمالية وبالتالي يعتبر تمويلًا طويل الأجل ممكن أن تصفه بجدارة أنه تمويلًا طويل البال عائده على المستثمر والاقتصاديات الوطنية عالي جدًا.
سابعًا: كيف تعمل شركات الاستثمار الجريء
هناك عنصران أساسيان في صندوق الاستثمار الجريء؛ الشركاء العامون والمحدودون. الشركاء العامون: وهم الأشخاص المسؤولون عن اتخاذ قرارات الاستثمار (إيجاد الاستثمار والموافقة على شروطه مع الشركات الناشئة والشركات) والعمل مع الشركات الناشئة للنمو وتحقيق أهدافهم. من ناحية أخرى، هناك شركاء محدودون: وهم الأشخاص والمنظمات الذين يقدمون رأس المال اللازم لإكمال تلك الاستثمارات.
ثامنًا: الأدوار البارزة في الاستثمار الجريء
تختلف الأدوار داخل شركة رأس المال الاستثماري من شركة إلى أخرى، ولكن يمكن تقسيمها إلى ثلاث وظائف تقريبًا: زميل، مدير، شريك، وذلك على النحو التالي:
1. الزميل
عادةً ما يأتي زملاء الاستثمار الجريء من ذوي الخبرة في مجال استشارات الأعمال أو التمويل.
2. المدير
وهو شخص محترف متوسط المستوى، ويكون مسؤولًا عن التأكد من الشركة تعمل دون أي عوائق كبيرة.
3. الشركاء
يركز الشركاء بشكل أساسي على تحديد المجالات أو الأعمال التجارية المحددة للاستثمار فيها، والموافقة على الصفقات سواء كانت استثمارية أو عمليات خروج، وتمثيل الشركة بشكل عام.
تاسعًا: مراحل الاستثمار الجريء
يعد التمويل على مراحل عنصرًا تقليديًا لعمليات الاستثمار الجريء؛ حيث إن المشاريع المستهدفة تتسم بدرجة عالية من الشك، وعدم التأكد من نجاحها، وخطر الفشل المتزايد. ويكون تمويلها مجزأً عمومًا إلى عدة دورات متعاقبة، وقد تكون الدورة التمويلية الواحدة مجزأة إلى عدة مراحل مستقلة؛ بما ينسجم مع عملية الوصول إلى الأهداف المحددة، فلا يعد التمويل الفوري على دفعة واحد نظامًا سليمًا، لا من وجهة نظر الممولين ولا المؤسسين.
وتترد البنوك غالبًا في تمويل المنشآت الجديدة الصغيرة؛ بسبب ارتفاع مؤشرات عدم اليقين عنها، وارتفاع معدل تباين المعلومات، وارتفاع تكاليف الوكالة. وبالموازنة فإن أصحاب رؤوس الأموال الجزئية متخصصون في التغلب على تلك المشاكل من خلال استخدام التمويل على مراحل متتابعة، وذلك على النحو التالي:
1. المرحلة المبكرة
وفيها يتم تمويل بحوث التنمية والتطوير للمشروعات الجديدة، أو التقنيات الجديدة قبل بدء النشاط الإنتاجي على نطاق تجاري.
2. المرحلة اللاحقة
وفي هذه المرحلة يتم تمويل تنمية وتطوير منشآت قائمة تكون بحاجة إلى متطلبات تمويلية خاصة، وتقديم آفاق نمو جذابة، ويتضمن ذلك توفير التمويل لأغراض التوسع للمنشآت غير المدرجة في الأسواق المالية؛ بهدف مساعدتها على النمو، ودخول أسواق جديدة، أو لأغراض الحلول محل الشركاء الراغبين في التخارج من تلك المنشآت.
3. تمويل الحالات الخاصة
وفيها يُوجه رأس المال الجريء إلى تمويل احتياجات خاصة لمنشآت منتجة، وتكون غالبًا أجزاء من منشآت ضخمة، ويتضمن ذلك تمويل شراء حصة الملكية، والسيطرة على منشآت قائمة، إضافةً إلى تمويل المنشآت ذات الأداء الضعيف؛ ولكن يتوافر لديها فرص واضحة للتحسن.
جدير بالذكر أن أصحاب رؤوس الأموال الجريئة يقومون باختبار المنشآت ذات الربحية، وإنتاجية العمل العالية ذات المبيعات العالية، وكذلك المنشآت التي تقوم بالاستثمار في أنشطة البحوث والتطوير؛ حيث إنها تعمل بشكل عام على تشجيع تعاملات رأس المال الجريء.
وبعد الحصول على الاستثمار من أصحاب رؤوس الأموال الجريئة، تحقق المنشآت في المتوسط عائدات أعلى من المبيعات، وعائدات أعلى عن حقوق المساهمين، وإنتاجية أعلى موازنةً بالمنشآت غير المدعومة برأس المال الجريء، كما أن توظيف المواهب والكوادر سيعمل على تقديم حلول عملية؛ حيث إن المنشآت المدعومة برؤوس أموال مغامرة تنمو بسرعة أكبر، وتسجل براءات اختراع أكثر، كما أن قدرتها على الإنتاجية تكون أعلى
عاشرًا: تقييم الاستثمار الجريء
يتمتع الاستثمار الجريء بعدد من المزايا، نذكر منها ما يلي:
أ. الخبرة التجارية
بصرف النظر عن الدعم المالي، يمكن أن يوفر الحصول على تمويل رأس المال الاستثماري شركة ناشئة أو شركة ناشئة مع مصدر قيّم للتوجيه والاستثمار. يمكن أن يساعد ذلك في مجموعة متنوعة من قرارات الأعمال، بما في ذلك الإدارة المالية وإدارة الموارد البشرية. يمكن أن يكون اتخاذ قرارات أفضل في هذه المجالات الرئيسية مهمًا للغاية مع نمو عملك.
ب. مصادر إضافية
في عدد من المجالات الحاسمة، بما في ذلك المسائل القانونية والضريبية وشؤون الموظفين، يمكن لشركة رأس مال مخاطر تقديم دعم نشاط، والأهم من ذلك كله في مرحلة رئيسية في نمو شركة شابة. جدير بالذكر أن النمو الأسرع والنجاح الأكبر يعدان ميزتان رئيسيتان محتملتان.
ت. الروابط
عادةً مع يكون أصحاب رأس المال الاستثماري على اتصال جيد في مجتمع الأعمال. يمكن أن يكون للاستفادة من هذه الروابط فوائد هائلة.
وعلى الرغم من المزايا التي يتمتع بها الاستثمار الجريء، فإنه يعتريه عدد من العيوب، نُبينها فيما يلي:
أ. فقدان السيطرة
يمكن أن تتضاعف العيوب المرتبطة بتمويل رأس المال بشكل عام مع تمويل رأس المال الاستثماري. من خلال ضخ كميات كبيرة من الأموال والمستثمرين المحترفين -وربما العدوانيين- من المحتمل أن يرغب أحد الشركاء في الاستثمار الجريء في المشاركة. يمكن لحجم حصة الشريك أن يحدد مدى تأثيره في تشكيل اتجاه الشركة.
ب. حالة ملكية الأقلية
اعتمادًا على حجم حصة شركة رأس المال المغامر في شركتك، والتي قد تكون أكثر من 50%، فقد تفقد السيطرة الإدارية.
الحادي عشر: مستقبل رأس المال الجريء
أصبحت المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر أكثر ابتكارًا وأكثر استيعابًا للسوق العالمية، وهو ما أدركته المؤسسات الإقليمية والعالمية، مثل: كاش منهاتن، وسيتي بانك، وبنك الاتحاد السويسري؛ فقد أدركت الفرص المتاحة للأسواق المالية الإسلامية المهتمة بإدخال منتجات إسلامية جديدة، وفي توظيفات تعمل على زيادة تمويل المشاريع الإسلامية.
“وبشكل عام، فإن تطور عقود الاستثمار الإسلامية المماثلة لتطبيقات رأس المال الجريء، تكون بانفتاح رأس المال الجريء الإسلامي، الذي يذهب إلى زيادة التمويل الإسلامي وتنميته، والذي يظل يواجه تحديات ينبغي تجاوزها. وهي الآن بحاجة إلى بذل المزيد من جهود الهندسة المالية الخبيرة، القادرة على تصميم منتجات مالية، تلبي احتياجات تطور الشركات، والقادرة على تكييف العقود التقليدية مع متطلبات الحداثة وتطويرها من جديد في إطار المبادئ الإسلامية”([5]).
الثاني عشر: تجارب بعض بلدان العالم المطبقة للاستثمار الجريء
تعد منشآت رأس المال الجريء ذات أهمية بارزة في اقتصاديات كثير من بلدان العالم، وسوف نتناول فيما يلي تجربة بعض البلدان:
1. الاستثمار الجريء المملكة العربية السعودية
جاء الاستثمار الجريء ضمن مبادرة تنمية القطاع المالي والخاص التي تعد أحد أهداف رؤية 2030، وهو يستهدف تحديدًا دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتمويلها والاستثمار فيها لتنمو وتتوسع وتصنع فرصًا استثمارية تعود على المستثمرين وأصحاب المشاريع بالنفع والإيجاب، كما توجد فرصًا وظيفية لأبناء وبنات الوطن. والحقيقة أن نتائج الاستثمار الجريء متعددة ومتنوعة، وكل يوم يكتشف المستثمرون ميزة جديدة لهذا النوع من الاستثمار.
فقد أطلقت السعودية مبادرة الاستثمار الجريء وأسست الشركة السعودية للاستثمار الجريء “منشآت” عام 2018 التي ترعى هذا النوع من الاستثمار وتقوم بتطويره ودعمه وربط المستثمرين بأصحاب الأفكار والمشاريع، وإيجاد الفرص الاستثمارية الجاذبة والمحفزة للقطاع الخاص.
وقد حققت الشركة نموًا بلغ 770% من إجمالي قيمة الاستثمارات لتصل إلى 2.55 مليار سعودي (ما يُعادل 680 مليون دولار) مقابل 236 مليون ريال (ما يُعادل 62.8 مليون دولار) في 2018، وذلك حسب تقرير “أثر الشركة السعودية للاستثمار الجريء.
ومن أهم الأمثلة على الاستثمار الجريء في المملكة السعودية شركة الطيار التي استثمرت في تطبيق “كريم” ب 17 مليون ريال، وحصدت أكثر من مليار و700 مليون خلال أعوام قليلة.
2. الاستثمار الجريء في مصر
توجد العديد من الشركات في مصر التي تعمل في مجال الاستثمار الجريء، من بينها شركة Intercap Capital للاستثمار التي تعمل على تأسيس صندوق (T6) بقيمة 30 مليون دولار، بهدف الاستثمار في حوالي 50 شركة ناشئة.
3. الاستثمار الجريء في الإمارات
أطلقت شركة Shrooq Parteners ومقرها أبو ظبي في مارس 2022 الإصدار الثاني من صندوق بداية 2 بقيمة 150 مليون دولار، وذلك للاستثمار في الشركات الناشئة في مرحلتي التأسيس وما قبله.
4. الاستثمار الجريء في الولايات المتحدة الأمريكية
تتميز منشآت رأس المال الجريء في الولايات المتحدة الأمريكية بالتخصص في مجالات عملية معينة، وتمول المنشآت الناشئة فيها، وتختار القطاعات التي تمتاز بفرص نمو مرتفعة، كقطاع التكنولوجيا.
وفي دراسة شملت نحو (500) منشأة أمريكية تم تمويلها برأس مال جريء، نصفها على الأقل عمره لا يتجاوز أريع سنوات، ونحو (80%) منها يعمل في القطاع التكنولوجي موازنةً بعدد مماثل من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تم تمويلها ذاتيًا عن طريق أصحابها.
5. الاستثمار الجريء في فرنسا
يُذكر أن مؤسسة INSEE نفذت عملية حصر ل (321478) منشأة جديدة، منها (13507) منشآت ناشئة متخصصة في قطاع التكنولوجيا المبتكرة، أي بنسبة (4.2%)، وتعمل ثلاثة أرباعها في خدمات تكنولوجيا المعلومات. وفي العام نفسه سجلت المنشآت الفرنسية المستثمرة في رأس المال (416) استثمارًا في مرحلة التأسيس والإنشاء، بمقدار (677) مليار يورو، ولا يُمثل هذا سوى (3.1%) من التدفق السنوي للمنشآت الجديدة المبتكرة، وبنسبة ضئيلة جدًا (1. %) من إجمالي المنشآت التي أًنشئت في نفس العام؛ ويعني هذا أن الجهات الفاعلة الفرنسية قي رأس المال الجريء انتقائية([6]).
إعداد/ محمد محمود
([1]) فاطمة فوقه وصليحة فلاق ومحمد تقروت، الاستثمار الجريء كمدعم لتمويل المشاريع الناشئة وسبل تفعيله في الجزائر، (ص254).
([2]) صالح بن عبد الرحمن السعد، الاستثمار برأس المال الجريء مقارنًا مع الاستثمار بالمشاركة في الفقه الإسلامي: دراسة استكشافية في المملكة العربية السعودية، (ص15).
([3]) محمد بن عبد الله، رأس المال الجريء (المخاطر) الدور المنشود من سوق المال لتمويل الإبداع في مشروعات التحديث الصناعي، (ص6)
([4]) محمد بن عبد الله، رأس المال الجريء (المخاطر) الدور المنشود من سوق المال لتمويل الإبداع في مشروعات التحديث الصناعي، (ص8)
([5]) صالح بن عبد الرحمن السعد، الاستثمار برأس المال الجريء مقارنًا مع الاستثمار بالمشاركة في الفقه الإسلامي: دراسة استكشافية في المملكة العربية السعودية، (ص21).
([6]) صالح بن عبد الرحمن السعد، الاستثمار برأس المال الجريء مقارنًا مع الاستثمار بالمشاركة في الفقه الإسلامي: دراسة استكشافية في المملكة العربية السعودية، (ص24).