حماية الأسرار التجارية

حماية الأسرار التجارية في النظام السعودي

تمثل الأسرار التجارية دعامة رئيسية للنشاط الذي يمارسه التاجر الطبيعي أو المعنوي، خاصة في ظل ظروف المنافسة في الأسواق التجارية والتي أصبحت أشد ضراوة من ذي قبل، وذلك بسبب الأسواق التجارية الجديدة التي ظهرت واتساع حجم الأسواق الحالية، وهو ما دعا الشركات – لاسيما العالمية منها – إلى الاهتمام بالحفاظ على أسرار نشاطهم التجاري والحرص على أن تبقى تلك الأسرار طي السرية والكتمان، حيث أن تلك الأسرار تعتبر بالنسبة لأي تاجر هي أساس نجاحه واستمراريته على صعيد المنافسة، ومنبع أهمية تلك الأسرار يرجع إلى أهمية دورها الذي تلعبه في نجاح التاجر في عمله.

إلا أن هذا الحرص لا يمنع من محاولات بعض أصحاب النفوس الضعيفة ممن يسعون إلى كشف أسرار التجار إلى منافسيهم، وهو ما تمثل اعتداء على حرية هؤلاء التجار في الحفاظ على أسرارهم، لذلك نظمت القوانين الوطنية في كل دولة مسألة حماية الأسرار التجارية، وقد قررنا أن تكون الجولة التي سنصحبكم فيها اليوم من خلال هذا المقال هي جولة في لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية والصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (50) في 25/6/1426هـ، والتعرف على ماهية الأسرار التجارية وآليات حمايتها في النظام السعودي، وسنترك بيان علاقة ذلك باتفاقية تريبس “اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية” إلى مقالات أخرى وذلك منعاً للخلط أو اللبس، حيث أننا نرغب في توضيح تنظيم حماية الأسرار التجارية بالنظام السعودي دون سواه.

أولاً: التعريف بالأسرار التجارية

تمثل الأسرار التجارية محور هذا المقال باعتبارها هي محل الحماية القانونية التي سنوضحها تباعاً، مما يجدر معه أن نستهل حديثنا بتوضيح ماهية الأسرار التجارية بشكل أكثر وضوحاً وجلاء.

1- المقصود بالأسرار التجارية

بداية وقبل الخوض في بيان المقصود بالأسرار التجارية فإنه يلزم أن نوضح أمراً هاماً، ويتمثل هذا الأمر في مسألة تتعلق بمسمى الأسرار التجارية ذاتها، حيث أن المنظم السعودي قد تعامل معها بمسميين مختلفين وهما “المعلومات التجارية السرية” و”الأسرار التجارية”، بينما استخدم مشرعي القانون في بعض الدول العربية مسمى “المعلومات غير المفصح عنها”، إلا أنه وعلى الرغم من اختلاف المسمى فإن المقصد واحد.

وعلى الرغم من اختلاف التشريعات والقوانين والنظم التي تحمي الأسرار التجارية حول مسماها، إلا أنها اتفقت في كونها لم تتعرض لتعريفها، فبمطالعة التشريعات العربية والغالبية العظمى من التشريعات الأجنبية سنجد أنها لم تضع تعريفاً للأسرار التجارية، وهو أيضاً نفس الموقف الذي اتخذه المنظم السعودي حيث لم يضع تعريفاً للسر التجاري، وإن كان قد وضع مجموعة من الأوصاف التي متى انطبق أحدها على المعلومة فإنها تصبح سراً تجارياً، وسنتعرض لهذه الأوصاف بشيء من التفصيل عند تناولنا للشروط اللازم توافرها في المعلومة لكي تعد سراً تجارياً محمياً.

وكالعادة عند خلو القانون أو التشريع أو النظام من تعريف لمصطلح قانوني ما، فإن الفقه القانوني قد أخذ على عاتقه مهمة وضع التعريف المناسب للأسرار التجارية، وقد أسفرت جهود الفقه عن العديد من التعاريف التي لن يتسع هذا المقام أو أي مقام آخر لحصرها نظراً لكثرة عدد تلك التعاريف، لذلك سوف نتعرض لجانب من أهمها وأبرزها في النقاط التالية:

– السر التجاري يقصد به المعلومة التي تنتج عن جهود مضنية لصاحبها فيحتفظ بها ويحافظ عليها في طي الكتمان، وتكون هذه السرية سبب في تمتع هذه المعلومة بقيمة اقتصادية، وذلك كما هو الحال في التصميمات والمعلومات الفنية[1]، وقد نادى بذلك التعريف جانب كبير من الفقهاء العرب.

– وأيضاً عرف السر التجاري بأنه المعلومة ذات الطبيعة التقنية أو الصناعية أو التجارية التي لا تخضع للتسجيل كبراءة اختراع، والتي تتمتع بكونها محددة ومعينة وتمثل قيمة جوهرية، وتتمتع بسرية لا تحول دون تناقلها.

– ومن وجهة نظر البعض الآخر من الفقه فإن السر التجاري هو المعلومة التي تتمتع بقيمة اقتصادية، سواء كانت تلك القيمة قائمة بالفعل أو متوقعة التحقق، ويكون التمتع بتلك القيمة الاقتصادية مقصورة على من يعملون بها بحيث يصعب على الغير اكتشافها أو اقتنائها، وتكون تلك المعلومات رهن إجراءات ووسائل مناسبة لإبقائها سرية[2].

وغيرها من التعاريف الأخرى التي اتفقت في مجملها على أن السر التجاري هو معلومة تتعلق بالنشاط التجاري أو الصناعي أو غيرها من المجالات الاقتصادية الأخرى، وهذه المعلومة تتمتع بقيمتها نتيجة لما تتمتع به من سرية، فالأساس في حماية المعلومات التي تمثل أسراراً تجارية هو كونها سرية، وبالتالي متى كانت المعلومة تتعلق بنشاط اقتصادي وتتمتع بقيمة اقتصادية، ولكنها غير سرية ومعلومة للجميع، فإنها بذلك لا تعد من قبيل الأسرار التجارية التي يحميها النظام.

وقد كان مسلك المشرعين ممن لم يقوموا بوضع تعريفاً للسر التجاري هو مسلكاً محموداً، وذلك لأن وضع تعريف ثابت للسر التجاري قد يضيق من نطاق المعلومات التي تتمتع بذلك الوصف ويكون لها نصيب من الحماية القانونية، وبالتالي قد يصعب وضع أي أسرار تجارية قد تظهر مستقبلاً ولا يشملها التعريف تحت إطار الحماية القانونية، لذا فقد كان من الأفضل أن يتم ترك السر التجاري حراً من القيود التي يفرضها عليه التعريف القانوني ليصبح أكثر مرونة.

2- التمييز بين السر التجاري وما يشابهه

هناك بعض المصطلحات التي قد تختلط لدى البعض بمصطلح السر التجاري، وذلك على الرغم من اختلافهما التام جملة وتفصيلاً، وسوف نتعرض إلى أهم وأبرز تلك الموضوعات والتي تتمثل في براءة الاختراع والمعارف الفنية، موضحين في سياق ذلك أهم وأبرز الاختلافات بينهما وبين السر التجاري.

أ- السر التجاري وبراءة الاختراع

براءة الاختراع هو مصطلح يشار به إلى السند الذي يفيد ملكية اختراع ما، وتقوم على إصداره الجهة المختصة بحماية الملكية الصناعية، ويترتب على صدوره ثبوت أحقية صاحبه في أن ينفرد باستخدام واستغلال الاختراع، وإسباغ الحماية القانونية على هذه الأحقية لمدة مستقبلية يحددها القانون أو النظام المختص[3].

وتعتبر أكثر الاختلافات التي تميز بين السر التجاري وبراءة الاختراع هي مسألة التسجيل وتأثيره على فرض الحماية القانونية، فالتسجيل يعد أساس تمتع براءة الاختراع بالحماية القانونية، ومتى لم يتم تسجيلها فإنها تخرج من نطاق دائرة الحماية القانونية، بينما لا تتطلب الأسرار التجارية ثمة تسجيل أو أي شكليات أخرى كي تخضع لحماية القانون.

وعلى جانب آخر فإن الحماية المقررة للأسرار التجارية تظل قائمة بغض النظر عن فترة امتدادها واستمرارها، حيث تظل تلك الحماية قائمة طالما بقيت صفة السرية قائمة، ولا تنتهي الحماية إلا باكتشاف الغير من المنافسين أو الجمهور لهذه الأسرار، على أن يكون اكتشافهم لها قد تم بصورة مشروعة وقانونية، في حين أن الحماية القانونية التي يتم إسباغها على براءة الاختراع تكون لمدة محددة تنتهي بانتهائها.

وأخيراً نجد اختلافاً جوهرياً بين السر التجاري وبراءة الاختراع يرجع إلى الطبيعة الخاصة بكل منهما، فبراءة الاختراع لا تتسم بالسرية بل على خلاف ذلك فهناك ما يعرف بـ “الالتزام بالإفصاح”، وهذا الالتزام يقع على عاتق صاحب براءة الاختراع، وقوامه الكشف عن تفاصيل براءة الاختراع حتى يتمكن أصحاب الخبرة من تطبيقه وتنفيذه على أرض الواقع، في حين أن السر التجاري أساسه هو بقاء المعلومات التي تمثل تلك الأسرار سرية وبعيدة عن أعين الجميع.

ب- السر التجاري والمعارف الفنية 

يقصد بالمعارف الفنية ما يتاح من معطيات ومعلومات تتسم بالسرية، والتي يمكن عن طريق تنفيذها وتطبيقها أن نحصل كيان مادي ملموس على أرض الواقع[4]، ويعد الاختلاف الأساسي والجوهري بين السر التجاري والمعارف الفنية في أن الأخيرة تتسع لتشمل جميع المعارف التي تصلح أو لا تصلح لكي تعد سر من الأسرار التجارية، في حين أن السر التجاري يقتصر على الوسائل الفنية المسخرة لخدمة صناعة محددة.

علاوة على ذلك فإن ما يقدمه السر التجاري للنشاط الاقتصادي يختلف عما تقدمه المعارف الفنية لذات النشاط، حيث نجد أن السر التجاري يستأثر به صاحبه ويقتصر استخدامه واستغلاله عليه، في حين أن المعارف الفنية يمكن استغلالها واستخدامها من قبل صاحبها والغير أيضاً وذلك عن طريق ما يعرف بعقد الترخيص بالاستغلال.

ثانياً: الشروط اللازم توافرها في الأسرار التجارية المحمية

نصت المادة الأولى من لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية على أن (تعد أي معلومة سراً تجارياً في أي من الحالات الآتي بيانها: 1- إذا كانت غير معروفة عادة في صورتها النهائية، أو في أي من مكوناتها الدقيقة، أو كان من الصعب الحصول عليها في وسط المتعاملين عادة بهذا النوع من التعاملات. 2- إذا كانت ذات قيمة تجارية نظراً لكونها سرية. 3- إذا أخضعها صاحب الحق لتدابير معقولة للمحافظة على سريتها في ظل ظروفها الراهنة).

ووفقاً لنص هذه المادة وحتى يكون السر التجاري خاضعاً لحماية القانون فقد استلزم المنظم السعودي توافر مجموعة من الشروط في السر التجاري، وتتمثل هذه الشروط تحديداً في ثلاث شروط وهي السرية، والقيمة التجارية، وخضوعها من قبل صاحبها لإجراءات حماية.

1- شرط السرية 

بالضبح يجب أن تتمتع المعلومة بطابع السرية حتى يمكن وصفها بأنها سراً تجارياً، لاسيما وأن صفة السرية هي المحور الأساسي الذي تدور في فلكه الحماية القانونية وجوداً وعدماً، فتكتسب المعلومة الحماية القانونية متى ثبتت لها صفة السرية، وتنتفي عنها هذه الحماية متى زالت عنها صفة السرية أو فقدتها.

ولا نقصد بالسرية في هذا المقام أن تكون المعلومة خافية على الجميع، ولكن يقصد بها أن تكون تلك المعلومة خافية على ذوي الخبرة من المعاملين بالمجال الذي تستخدم فيه تلك المعلومة، فعلى سبيل المثال تكون المعلومة سرية على العاملين بنشاط تصنيع الحديد متى كانت خافية على ذوي الخبرة في مجال تصنيع الحديد والعاملين به وتفقد سريتها متى تم كشفها من قبلهم، بينما لا تفقد تلك المعلومة سريتها متى كان من علم بها واكتشفها هو أحد العاملين في تجارة اللحوم.

كما أن السرية التي يستلزم هذا الشرط تحققها هي السرية النسبية ولم يتطلب أن تتحقق في صورتها المطلقة، لاسيما وأن السرية المطلقة يعد تحققها ضرباً من ضروب المستحيل، حيث أن المجالات التجارية المختلفة في عصرنا الحالي لم يعد من اليسير فيها الاحتفاظ بسرية المعلومة بشكل مطلق، خاصة وأن اتساع حجم النشاطات التجارية قد قابله زيادة في حجم المؤسسات العاملة في تلك النشاطات، مما ترتب عليه ارتفاع أعداد العاملين بها فأصبحت إمكانية كشف الأسرار التجارية قائمة بشكل أكبر، وبالتالي تكون السرية النسبية هي الشرط الأكثر مناسبة ومنطقية.

مما يمكننا معه أن نستخلص مضمون شرط السرية وما يتطلبه في المعلومة محل الحماية، وهو أن تكون المعلومة محفوظة ومحاطة بإجراءات تجعل من الصعب أن يتم نقلها أو نسخها أو الاطلاع عليها بصورة يسيرة من قبل منافسي صاحبها التجاريين، وهو ما يلقي تبعة إثبات توافر السرية للمعلومة على عاتق من يدعي بوقوع اعتداء على تلك السرية وهو ما لا يعد بالأمر اليسير، ويكون إثبات ذلك دائماً في ساحات القضاء[5].

2- شرط القيمة التجارية 

يفسر هذا الشرط بأن المعلومة التجارية حتى تتمتع بالحماية القانونية المقررة للأسرار التجارية فيلزم أن تكون لها قيمة تجارية، والقيمة التجارية يقصد بها أن تكون هذه المعلومة قادرة على أن تدر على صاحبها عوائد اقتصادية، بغض النظر عن صورة تلك العوائد التي لا تقتصر على تحقيق المكاسب فقط بل تمتد لتشمل أيضاً الحد من الخسائر.

ويعد هذا الشرط بمثابة شرط مكمل لشرط السرية، ويرجع ذلك إلى الارتباط القوي بين هذين الشرطين، فالسرية التي تتمتع بها المعلومة هي التي تمنحها قيمتها التجارية، حيث تجعلها ميزة تنافسية يمكن لصاحبها تحقيق نجاحات في سوق العمل.

وتعد قيمة المعلومة أو السر التجاري هي المقابل الذي يتكبده من يريد الحصول عليها، وهي ترتبط معه بعلاقة طردية بحيث ترتفع القيمة التجارية للمعلومة متى ارتفع المقابل الذي يتم تكبده من أجل الحصول عليها، أو الذي يتم إنفاقه من أجل الحفاظ عليها في طي الكتمان والسرية.

3- شرط فرض صاحب المعلومة لحماية مناسبة عليها 

بجانب كون المعلومة التجارية سرية، وتتمتع بقيمة اقتصادية، فيجب أيضاً حتى تعد سراً تجارياً أن تكون سريتها قائمة على ما يتخذه صاحبها من تدابير وإجراءات يستهدف منها المحافظة على تلك السرية، وهذه الإجراءات دائماً ما تكون ذات طبيعة أمنية وتتسم بالفاعلية في الحفاظ على سرية المعلومة.

ولا توجد صورة وحيدة أو ثابتة لإجراءات وتدابير الحماية التي يمكن لصاحب المعلومة السرية أن يحافظ على سريتها، فهناك العديد من الإجراءات والتدابير المختلفة التي يستطيع صاحب السر التجاري من خلالها أن يحمي هذا السر، ويمكن لصاحب السر التجاري أن يختار طريقة الحماية التي تتناسب مع طبيعة وقيمة السر التجاري.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر للإجراءات والتدابير التي يمكن أن يتخذها صاحب السر التجاري لحمايته قيام صاحب السر التجاري بحفظه في مكان محاط باللافتات التي تحذر من الدخول إليه، أو وضع هذا المكان تحت المراقبة من خلال الحراس أو الكاميرات، أو إغلاق مكان وجود السر التجاري بشفرة سرية[6]، وغيرها من الطرق والوسائل الأخرى للحماية والتي يستدل منها على أن صاحب السر التجاري يكفل له حماية مناسبة تحول دون كشف سريته.

ويمكننا القول إن المنظم السعودي قد قرر في نص المادة رقم (3) من اللائحة معياراً للحفاظ على سرية المعلومة المعتبرة سراً تجارياً، ويتمثل هذا المعيار في أن تكون الإجراءات والتدابير التي اتخذها صاحب السر هي إجراءات وتدابير معقولة تتناسب مع طبيعة المعلومة والظروف المحيطة بها وقت اتخاذ تلك الإجراءات.

ثالثاً: الحالات التي تمثل اعتداء على الأسرار التجارية

تتعدد الأفعال التي تمثل صوراً للاعتداء على الأسرار التجارية، وهو ما يجعل حصر هذه الأفعال أو الصور أمراً قد يعد مستحيلاً، لذلك فقد وضع المنظم السعودي حصراً لبعض الحالات التي اعتبرها نماذج لصور الاعتداء على الأسرار التجارية، وذلك فيما نص عليه في المادة رقم (3/2) من لائحة حماية المعلومات التجارية السرية من أن (2- … يعد مخالفة للممارسات التجارية النزيهة بوجه خاص ما يلي: أ- الإخلال بالعقود ذات العلاقة بالأسرار التجارية. ب- الإخلال بسرية المعلومات المؤتمنة، أو الحث على الإخلال بها. ج- حصول شخص على الأسرار التجارية من طرف آخر إذا كان يعلم أو كان بمقدوره أن يعلم بأن حصول ذلك الطرف عليها كان نتيجة مخالفة للممارسات التجارية النزيهة).

1- حالة الإخلال بالعقود ذات العلاقة بالأسرار التجارية 

تتمثل أولى النماذج التي نصت عليها المادة الثالثة من اللائحة هي الحالة التي يقوم فيها صاحب السر التجاري بالتعاقد مع الغير على منحه جزء أو كل هذا السر، وهذا التعاقد يتضمن شرط يسمى بشرط عدم الإفصاح، وهو شرط قوامه ألا يقوم هذا الغير بإفشاء هذا السر التجاري، حيث أن التعاقد يقتضي استخدامه له فقط دون إفشائه.

ويتحقق الاعتداء على السر التجاري في هذه الحالة متى خالف هذا الغير التزاماته التعاقدية وأخل بها، وذلك بإفشائه للسر التجاري محل التعاقد، ومخالفاً التزامه بعد الإفصاح، فيصبح الاعتداء على سرية السر التجاري قد تحققت في حق الغير المتعاقد مع صاحب هذا السر.

2- الإخلال أو الحث على الإخلال بسرية المعلومات المؤتمنة   

في بعض الأحيان قد لا يتم إبرام تعاقد بين صاحب السر التجاري وبين الغير ممن تحصل عليه، فيكون وجود السر التجاري لدى هذا الغير على سبيل الأمانة وتكون يده عليه هي يد مؤتمن، وبالتالي لا يحق له أن يفشي تلك الأسرار كما لا يحق له أن يقوم باستخدامها في غير محلها لحسابه الشخصي كما لو قام ببيعها للغير وكان ذلك دون موافقة من صاحب السر، فإن ذلك يمثل اعتداء من الشخص المؤتمن على السر التجاري الذي اؤتمن عليه.

كما يعد فعل الحث الواقع من الغير على الشخص الذي يحوز السر التجاري بهدف دفعه إلى إفشائه هو أحد طرق تحقق هذه الصورة من صور الاعتداء على السر التجاري، فيتساوى المحرض مع الفاعل في تلك الحالة.

3- الحصول على المعلومات من طرف تحصل عليها بشكل يخالف الممارسات التجارية النزيهة 

في هذه الصورة يؤكد المنظم السعودي على أن سلوك طريق غير مشروع للحصول على المعلومة المكونة للسر التجاري يعد في حد ذاته اعتداء على سرية تلك المعلومات، وذلك دونما النظر إلى ذلك الطريق الغير مشروع ووسيلته، فأي وسيلة أو طريق غير مشروع يمكن الحصول من خلاله على السر التجاري يعد اعتداء على هذا السر.

ويشترط المنظم هنا أن يكون الشخص الذي تحصل من المعتدي على السر التجاري يعد مرتكباً لذات الاعتداء متى كان على علم بأن المعتدي قد تحصل على السر التجاري بطريق غير مشروع، أو كان في وسعه أن يتبين ذلك ببذل قليل من الجهد، فإذا تحقق ذلك في حق الشخص الذي تحصل على السر التجاري فإن مجرد حيازته لهذا السر يعد اعتداء عليه حتى وإن لم يقم باستخدامه بشكل فعلي.

وهو ما يترتب عليه أن الشخص الذي يتحصل على السر التجاري من المعتدي دون أن يكون على علم بكون الأخير قد تحصل عليه عن طريق الاعتداء غير المشروع، ولم يكن أيضاً في استطاعته أن يتبين ذلك، فإنه لا يعد معتدياً على ذلك السر التجاري، وذلك لكونه حسن النية وبالتالي ينزع حسن النية أي تجريم يمكن أن يصيب حيازته لهذا السر.

رابعاً: موقف المنظم السعودي من حماية الأسرار التجارية

حتى نتبين موقف المنظم السعودي من مسألة الحماية القانونية للأسرار التجارية، فسوف نتعرض إلى هذا الموقف من ناحيتين، الناحية الأولى نوضح فيها المدة التي كفل المنظم السعودي خلالها الحماية القانونية للأسرار التجارية، والناحية الثانية نوضح في سياقها أوجه الحماية القانونية التي كفلها المنظم للأسرار التجارية.

1- المدة التي قررها المنظم السعودي لسريان الحماية على الأسرار التجارية

بمطالعة نص المادة رقم (5) من لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية سنجد أن المشرع قد قرر بموجبها ما يلي (عند اشتراط جهة رسمية مختصة تقديم معلومات – عن اختبارات سرية أو أي بيان تم التوصل إليه نتيجة جهود معتبرة – للموافقة على تسويق الأدوية أو المنتجات الزراعية الكيميائية التي تستخدم فيها مواد كيميائية جديدة، فعلى هذه الجهة أن تلتزم بحماية هذه المعلومات من الاستعمال التجاري غير المنصف مدة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ الحصول على الموافقة).

ومن هذه المادة يتضح لنا أن المنظم السعودي قد فرض مدة لحماية الأسرار التجارية، وذلك في الحالات التي يكون فيها الكشف عن تلك الأسرار ضرورياً للجهة صاحبة الاختصاص بإصدار الموافقة على تسويق أدوية أو منتجات زراعية أو كيميائية، وبناء على ذلك ألزم المنظم تلك الجهة أن تقوم بحماية هذ الأسرار التجارية من أي اعتداء أو استعمال تجاري غير عادل، وذلك لمدة لم ينص المنظم على حدها الأقصى ولكنه قرر الحد الأدنى لها، فقرر أن تلك الحماية تكون لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وتبدأ هذه المدة من التاريخ الذي تصدر فيه الموافقة من تلك الجهة المختصة.

مما يمكننا معه القول بأن مدة الحماية القانونية للأسرار التجارية هي خمس سنوات كحد أدنى للحماية لا يجوز النزول عنه، ودون تقرير حد أقصى لهذه الحماية بحيث يمكن أن تصل إلى أي مدة تراها الجهة المختصة مناسبة لطبيعة تلك الأسرار بشرط ألا تقل عن خمس سنوات، ويؤيدنا في ذلك نص المادة رقم (4) من ذات اللائحة، والتي ألزمت الجهة صاحبة الاختصاص بحماية الأسرار التجارية التي يتم تقديمها إليها، ولم تحدد المدة التي تقوم فيها تلك الجهة بحماية هذه الأسرار التجارية سواء بحد أقصى أو حد أدنى، وهو ما يصل بنا إلى أن المدة المقررة لحماية الأسرار التجارية بوجه عام في النظام السعودي هي مدة خمس سنوات على الأقل، دون وجود حد أقصى لتلك المدة، وبمجرد انتهاء مدة الحماية وعدم وجود أي ضرورة لمدها أو تجديدها، فإن الحماية التي تقرها الدولة للسر التجاري تزول عنه ولا تصبح الدولة ملزمة بتلك الحماية.

2- أوجه الحماية التي قررها المنظم السعودي لحماية الأسرار التجارية

تتفرع الحماية القانونية بوجه عام إلى فرعين وهما فرع الحماية على الصعيد المدني وفرع الحماية على الصعيد الجنائي، وسوف نتناول أوجه الحماية الخاصة بكل فرع منهما وفقاً لما جاء بلائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية.

أ- أوجه الحماية على الصعيد المدني

قرر المشرع في المادة رقم (8) من اللائحة الأحقية لكل شخص تعرض لأضرار من جراء مخالفة الأحكام الواردة باللائحة بأن يقيم دعوى التعويض عن تلك الأضرار أمام المحكمة المختصة، ونظراً لكون الأسرار التجارية لا يصدر لها براءة تكفل لها الحماية مثل براءة الاختراع، وما يقرر لها من حماية قد لا تكون طويلة في مدتها، وهو ما يجعل مثل تلك الأسرار عرضة للاعتداء من قبل الغير، وهو ما حدا إلى إضفاء الحماية المدنية على تلك الأسرار من خلال إما المسؤولية العقدية وإما من خلال المسؤولية عن الفعل غير المشروع متمثلة في دعوى المنافسة غير المشروعة.

a– المسؤولية العقدية

تعد العقود من أهم الوسائل التي يمكن من خلال إبرامها أن تتحول إلى أداة لحماية الأسرار التجارية، ويرجع ذلك إلى قدرة المتعاقدين على وضع الحدود والقيود التي يرونها مناسبة لحماية تلك الأسرار، وتحديد الآليات التي يمكن من خلالها جبر أي ضرر قد يحدث نتيجة أي اعتداء على تلك الأسرار سواء من المتعاقدين أو الغير.

وتبرز أهمية العقد في هذا الشأن متى كان صاحب السر التجاري في موقف يترتب عليه وضع هذا السر بين يدي شخص آخر، سواء كان هذا الشخص متمثلاً في العاملين معه بتجارته أو صناعته فيلزم اطلاعهم عليه، أو كان من الغير الذين يرغبون في أن يصرح لهم باستخدام هذا السر، فيمكنه عن طريق عقد العمل الذي يبرمه مع العاملين لديه أو عقد الترخيص بالاستغلال الذي يبرمه مع الغير أن يضع من الشروط بهذا التعاقد ما يضمن به معها حماية تلك الأسرار، ومنع وقوعها بين يدي التجار المنافسين له في مجال نشاطه[7].

وبالتالي فإن العقود التي يقوم بإبرامها صاحب السر التجاري مع الغير وتتعلق باستخدام هذا السر دائماً ما تتضمن قود واضحة وصريحة ترد في بنود العقد يكون محورها هو منع من يتلقى هذا السر أو يتصل علمه بها بموجب التعاقد من إفشائها، بل يصبح هذا الغير ملتزماً بموجب هذا التعاقد بالحفاظ على سريته، فإذا لم يتقيد هذا الغير بما يلقيه على عاتقه التعاقد من التزام بالحفاظ على السر التجاري، وقام بمخالفة هذا الالتزام وترتب عليه إفشاء هذا السر، فيكون من حق صاحب السر التجاري أن يطرح هذا الأمر على القضاء مطالباً بالتعويض متى كان السر التجاري قد تم إفشائه بالفعل، أو أن يطالب بإلزام الغير الذي تعاقد معه باحترام تعهده الذي تعهد به في العقد بعدم إفشاء هذا السر.

b– المسؤولية عن الفعل غير المشروع (دعوى المنافسة غير المشروعة)

تعتبر القاعدة العامة والأساسية في المنافسة بغض النظر عن مجالها هي أن المنافسة يجب أن تكون بطرق وسبل مشروعة وقانونية، فلا يدخل فيها أي غش أو تدليس أو اعتداء على حقوق باقي المنافسين، ومتى حادت المنافسة عن طريقها المشروع الذي ينظمه القانون وخرجت عن إطار الشرف والنزاهة والأصول المتبعة في التجارة، فإن ذلك يمثل مخالفة للأصول والقواعد الحاكمة والمنظمة للمنافسة، ويمثل أيضاً اعتداء يقع على حقوق صاحب السر التجاري ويضع مرتكبه تحت طائلة المساءلة القانونية عنه، ويحق لصاحب السر أن يقيم ضده ما يعرف بدعوى المنافسة غير المشروعة.

ودعوى المنافسة غير المشروعة عرفها الفقه القانوني بأنها الدعوى التي يقيمها صاحب السر التجاري مطالباً فيها بتحقيق الحماية القانونية للسر التجاري الخاص به، وبالتالي فهي دعوى يكون المدعي فيها هو صاحب السر التجاري الذي أصابه الضرر، والمدعى عليه فيها هو الشخص الذي قام بالمنافسة غير المشروعة التي تمثل الفعل غير المشروع، وتسبب بموجبه في الضرر لصاحب السر التجاري.

وحتى يكون لصاحب الأسرار التجارية الحق في اتخاذ طريق دعوى المنافسة غير المشروعة لحماية تلك الأسرار فإنه يلزم أن تتوافر بعض الشروط والتي يمكننا أن نجملها في الآتي:

  • أن تكون هناك منافسة بين المدعي والمدعى عليه، ولا تقتصر المنافسة المقصودة هنا على العاملين بذات النشاط، ولكن يمكن أن تكون المنافسة بين العاملين بنشاطين مختلفين ولكن تربطهما علاقة ما، كما لو كان أحد النشاطين يعتمد بشكل رئيسي على الآخر بما يتوقع معه أن تكون هناك منافسة فيما بينهما.
  • أن تقوم أركان المسؤولية التقصيرية المتمثلة في الفعل غير المشروع والضرر وعلاقة السببية، فيكون الفعل غير المشروع متمثلاً في فعل المنافسة غير المشروعة الذي يرتكبه شخص ضد صاحب السر التجاري، والضرر هو ما يصيب صاحب السر التجاري نتيجة هذا الاعتداء، وعلاقة السببية بين فعل الاعتداء – المنافسة غير المشروعة – وبين الضرر المتحقق لصاحب السر التجاري.

وتتيح هذه الدعوى للمضرور – صاحب السر التجاري – أن يتحصل على التعويض الجابر لتلك الأضرار التي أصابته من الشخص الذي قام بارتكاب الفعل غير المشروع، ولا يتوقف الأمر عند التعويض فقط ولكنه يمتد ليشمل أيضاً حظر استمرار المعتدي في فعل الاعتداء، ويكون ذلك بوقف استعمال المعتدي للأسرار التجارية المتحصل عليه بطريق غير مشروع.

ويشمل التعويض الذي يتحصل عليه صاحب السر التجاري الضرر بنوعيه المادي والأدبي، وذلك وفقاً لطبيعة وظروف كل حالة على حدة، ويكون قاضي الموضوع هو صاحب السلطة في بيان الأضرار التي أصابت مالك السر التجاري ونوعها وتقدير قيمتها.

ب- أوجه الحماية على الصعيد الجنائي

بالرجوع إلى نصوص ومواد لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية سيتبين لنا أن المنظم السعودي لم يضع ثمة عقوبات جنائية لمواجهة الاعتداء على الأسرار التجارية، وهو موقف يتسم بالقصور لاسيما وأن هناك العديد من القوانين والتشريعات العربية الخاصة بحماية الأسرار التجارية قد قررت عقوبات جنائية لمرتكبي مثل تلك الأفعال، ومنها على سبيل المثال القانون المصري رقم 82 لسنة 2002 والخاص بحماية الملكية الفكرية، حيث قرر فيه المشرع المصري بمادته رقم (61) أن (مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب كل من يقوم بوسيلة غير مشروعة بالكشف عن المعلومات المحمية طبقاً لأحكام هذا القانون أزو بحيازتها أو باستخدامها مع علمه بسريتها وبأنها متحصلة عن تلك الوسيلة بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه، وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه).

خامساً: الخاتمة

على الرغم من أن المنظم السعودي قد تناول مسألة حماية الأسرار التجارية، إلا أنه لم يتناولها بالصورة التي تغطي كافة جزئياتها وجوانبها، لاسيما وأن اللائحة قد خلت من نص يجرم فعل الاعتداء على الأسرار التجارية ويحدد عقوبة جنائية لمرتكبها، حيث أن المنظم السعودي قد اكتفى بالعقوبات المدنية المتمثلة في التعويض، ولم يضع أي عقوبة جنائية في اللائحة، وهو ما يعد قصوراً يستلزم علاجه عن طريق تعديل اللائحة بإضافة نص تجريم وعقاب على فعل الاعتداء على الأسرار التجارية دون إذن من صاحبها، خاصو وأن العقوبة الجنائية تتمتع بقوة ردع تفوق نظيرتها المدنية المتمثلة في التعويض.

كتابة: أحمد عبد السلام

[1] – سميحة القليوبي – الملكية الصناعية – ط8 – دار النهضة العربية – مصر – 2009 – ص 415.

[2] – جلال محمدين – الحماية القانونية للملكية الصناعية وفقاً لاتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (تربس) – دار الجامعة الجديدة – مصر – 2000 – ص 89.

[3] – عجة الجيلالي – براءة الاختراع: خصائصها وحمايتها – منشورات الزين الحقوقية – لبنان – ج2 – 2015 – ص23.

[4] – محمود الكيلاني – الموسوعة التجارية والمصرفية: عقود التجارة الدولية في مجال نقل التكنولوجيا – المجلد الأول – دار الثقافة للنشر – الأردن – 2008 – ص93.

[5] – محمد النجار – دراسة في نقل المعارف الفنية – دار الجامعة الجديدة – مصر – 2010 – ص4.

[6] – منير جليل وجهاد بني يونس – حماية الأسرار التجارية في النظام القانوني الأردني – مجلة النجاح للأبحاث والعلوم الإنسانية – مج 27 – ع (4) – 2007 – ص789.

[7] – حسام عيسى – نقل التكنولوجيا: دراسة في الآليات القانونية للتبعية الدولية – دار المستقبل العربي – مصر – 1987 – ص 167 وما بعدها.