عقد العمل البحري في النظام السعودي

عقد العمل البحري في النظام السعودي

تعد عقود العمل البحري من أحد أهم العناصر التي يقوم عليها مجال التجارة البحرية والنقل البحري، لاسيما وأن تلك العقود هي الأساس في وجود العمالة البحرية المتمثلة في العنصر البشري الذي لا يمكن للسفن القائمة على هذا المجال أن تباشر رحلاتها الملاحية إلا بتوافره، وذلك من بحارة وملاحين وطاقم بحري وغيرهم من العاملين في الملاحة البحرية.

ويتساءل البعض عن الأحكام التي تنظم عقود العمل البحري، وما إذا كانت هي ذاتها الأحكام التي تخضع لها عقود العمل التقليدية التي ينظمها نظام العمل السعودي أم هي أحكام مختلفة، وسوف نتعرض للإجابة عن ذلك في هذا المقال، لاسيما وأن نظام العمل قد تضمن تخصيص لجانب منه لتنظيم عقد العمل البحري بأحكام تتناسب مع طبيعته، والتي قد لا يكون البعض على اطلاع تام بها، لذلك سنوضح ذلك في مقالنا هذا بشيء من التفصيل.

أولاً: ماهية عقد العمل البحري

يعد عقد العمل البحري عقداً من عقود العمل التي ينظمها القانون، ولكنه عقد عمل يتمتع بطبيعة خاصة ترجع إلى العديد من الأسباب، منها ما يتعلق بأطرافه، ومنها ما يتعلق بمكان تنفيذه، وغيرها من الأسباب الأخرى التي تضع عقد العمل البحري في موضع متفرد ومستقل عما سواه من عقود عمل أخرى.

وقد تعرض الفقه القانوني لتعريف عقد العمل البحري بأكثر من تعريف، إلا أن أهم تلك التعريفات وأبرزها اتفقت على أن عقد العمل البحري هو عقد يرتب على عاتق أحد طرفيه التزام بالعمل على متن سفينة لصالح الطرف الثاني وتحت رقابته وإشرافه، وذلك في مقابل أجر يتقاضاه الطرف القائم بالعمل[1].

ولم يكن هناك اختلاف بين التعريف الفقهي لعقد العمل البحري وبين تعريف المنظم السعودي له، خاصة وأنه عرف عقد العمل في أكثر من موضع وأكثر من نظام، حيث عرفه في سياق النظام البحري التجاري بالمادة (1/20) بأنه “العقد المبرم بين مالك السفينة أو مجهزها أو ممثل عن أياً منهما وأي شخص للعمل على ظهر السفينة مقابل أجر”، كما عرفه أيضاً في نظام العمل بالمادة (168) منه بأنه “كل عقد تشغيل بأجر يبرم بين صاحب السفينة أو مجهز السفينة أو ممثل عن أياً منهما وبين بحار للعمل على ظهرها، وتسري على هذا العقد أحكام هذا النظام فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الباب والقرارات التي تصدر بمقتضاه”.

ومن خلال التعريفات السابقة يتضح أنها تتفق جميعاً في تعريف عقد العمل البحري، ولم تتضمن أي اختلاف يميز أي منها عن الآخر، ويمكننا أن نوضح ذلك الاتفاق في بعض النقاط التي من أهمها:

– العمل الذي ينصب عليه عقد العمل البحري هو العمل الذي يتم ممارسته على ظهر السفينة، وبالتالي يخرج عقد العمل المبرم مع أي عامل يمارس عمله خارج السفينة من نطاق وصفه بأنه عقد عمل بحري.

– يعد عقد العمل المبرم مع أي عامل يمارس عمله على ظهر السفينة عقد عمل بحري، وذلك بغض النظر عن نوع العمل الذي يمارسه هذا العامل، حتى وإن كان هذا العمل يخرج عن نطاق كونه متعلقاً بالملاحة البحرية، فالمناط هنا هو مكان ممارسة العمل وليس طبيعة العمل ذاته.

– يعتبر ربان السفينة مرتبطاً بعقد عمل بحري مع مالك السفينة أو مع مجهزها، وهو ما يستدل منه على أن الربان يعد من قبيل البحارة المتعاقد معهم بعقد عمل بحري.

ثانياً: من هم الأطراف الذين يبرم بينهم عقد العمل البحري؟

لا يختلف عقد العمل البحري عن سائر عقود العمل الأخرى في كونه يبرم بين طرفين، الطرف الأول هو صاحب العمل، والطرف الثاني هو العامل البحري.

1- الطرف الأول: صاحب العمل

يقصد بصاحب العمل في عقد العمل البحري إما صاحب السفينة أو مجهز السفينة، ويقصد بصاحب السفينة أي شخص طبيعي أو معنوي ترجع السفينة إليه، كما قد أوضحت المادة (168) من نظام العمل السعودي المقصود بمجهز السفينة، حيث نصت على أن “مجهز السفينة هو كل شخص طبيعي أو منشأة عامة أو خاصة يجري لحسابه تجهيز السفينة”.

ونلاحظ أن المنظم لم يذكر صاحب السفينة تحت مسمى “مالك السفينة”، حيث يمكن أن يكون صاحب السفينة هو مالكها، كما قد يكون مستأجرها الذي يمكنه القيام بتجهيز السفينة بنفسه فيبرم عقود العمل البحري للعاملين على السفينة بشكل مباشر، أو أن يقوم بالتعاقد مع مجهز ليقوم بتجهيز السفينة وإبرام عقود العمل البحري مع العاملين عليها.

2- الطرف الثاني: العامل البحري

يتعدد من يصدق عليهم وصف العامل البحري، حيث أن هذا الوصف ينطبق على أي شخص يقوم بممارسة عمله على ظهر السفينة، وهناك العديد من الأعمال التي يتم ممارستها على ظهر السفينة وتختلف طبيعة كل عمل منها عن الآخر، ومن هذه الأعمال على سبيل المثال:

  • هناك الربان الذي يقوم على قيادة السفينة ويتحمل مسؤوليتها باعتباره يحمل المؤهل اللازم لذلك، والذي يمارس عمله على السفينة باعتباره ممثل لصاحب السفينة أياً كان شخصه – مالك السفينة أو مستأجرها أو مجهزها – ووكيلاً له فيما يخص السفينة، ويكون جميع العاملين على السفينة خاضعين لإشرافه وتحت رقابته.
  • وهناك البحارة العاملين على ظهر السفينة، والبحار يقصد به أي شخص يمارس عمله على ظهر السفينة، وذلك بغض النظر عن طبيعة عمله هذا طالما يمارسه على ظهر السفينة، فقد يكون عمله متعلقاً بتسيير السفينة وملاحتها، كما قد لا يكون متعلقاً بالملاحة البحرية كطباخ السفينة وطبيب السفينة والخدم وغيرهم[2].

وقد حدد المنظم السعودي في نص المادة (173) من نظام العمل الشروط التي يلزم توافرها في البحارة العاملين على السفينة، وتتمثل تلك الشروط في:

  • أن يبلغ من العمر ما لا يقل عن ثمانية عشرة سنة.
  • أن يحوز شهادة تجيز له أن يعمل في مجال الخدمة البحرية.
  • أن يكون لائقاً لهذا العمل من الناحية الطبية.

ثالثاً: خصائص وسمات عقد العمل البحري

يتمتع عقد العمل البحري بمجموعة من الخصائص والسمات الخاصة به، وسوف نتناولها في النقاط الآتية.

1- عقد العمل البحري هو عقد مسمى

العقود المسماة هي العقود التي يخصها المنظم بأحكام وقواعد خاصة بها، وباسم معين ومحدد تسمى به، وذلك لانتشارها الكبير وذيوع استخدامها بين أفراد المجتمع[3]، وبالتالي يمكن أن يتم الوقوف على الأحكام والتنظيم الخاص بالعقد المسمى بالرجوع إلى النظام وما يتضمنه من أحكام تنظمه.

ويعد عقد العمل البحري عقداً من تلك العقود المسماة، لاسيما وأن المنظم السعودي قد خصص له الباب الحادي عشر من نظام العمل السعودي، وجعله متضمناً لكافة الأحكام والضوابط المنظمة لعقد العمل البحري، ووضع له مسمى يرتبط بالعقد حيث أطلق على هذا الباب مسمى “عقد العمل البحري”، وبالتالي يلزم على المحكمة متى عرضت عليها منازعة تخص عقد العمل البحري أن ترجع في شأن أحكام تلك المنازعة إلى ما ورد بهذا الباب من نظام العمل، ولا ينال من ذلك أنه يجوز للمحكمة الأخذ ببعض الأحكام العامة لعقد العمل فيما لم يرد به نص خاص في هذا الباب، وذلك شريطة أن تكون تلك الأحكام لا تتعرض مع ما ورد بشأن عقد العمل البحري في هذا الباب من أحكام خاصة به.

2- عقد العمل البحري هو عقد رضائي

العقود الرضائية هي العقود التي لا يستلزم المنظم شكل خاص لانعقادها، ولكنها تنعقد بمجرد تراضي طرفيها على انعقادها، وتعد قد أُبرمت متى تلاقي الإيجاب والقبول المتطابقين معاً، وقد ثار خلاف بين الفقه حول ما إذا كان عقد العمل البحري عقداً رضائياً أم عقداً شكلياً، وذلك لما نص عليه نظام العمل في مادته رقم (170) من ضرورة تسجيل عقد العمل البحري في سجلات السفينة وهو ما يستدل منه على أنه يكون مكتوباً، وما نصت عليه المادة (171) من ذات النظام من أن عقد العمل البحري يلزم أن تتوافر فيه بعض البيانات المحددة، وغيرها من المواد والنصوص الأخرى التي تضمنت بعض البيانات اللازم توافرها في عقد العمل البحري، والتي حدت بجانب من الفقه لاعتبار أن عقد العمل البحري هو عقد شكلي يلزم لانعقاده أن يرد في شكل مكتوب.

إلا أننا وعلى الجانب الآخر نؤيد الرأي المعارض لذلك والذي يرى أن عقد العمل البحري هو عقد رضائي، وأن الكتابة والقيد في سجل السفينة وغيرها من الإجراءات والبيانات الأخرى التي يلزم توافرها في العقد هي أمور فرضت بهدف إثبات العقد وليس إبرامه، ويظل عقد العمل عقداً رضائياً ينعقد بمجرد تراضي طرفيه على انعقاده، وذلك قياساً على عقد العمل التقليدي الذي نص نظام العمل في مادته رقم (51) على أن “يجب أن يكتب عقد العمل من نسختين يحتفظ كل من طرفيه بنسخة ويعد العقد قائماً ولو كان غير مكتوب”، وهو ما يستدل منه أنه على الرغم من اشتراط المنظم شرط الكتابة في عقد العمل، إلا أنه اعتبر العقد الغير مكتوب عقداً قائماً، وبالتالي تكون الكتابة شرط إثبات وليس شرط انعقاد.

3- عقد العمل البحري هو عقد من عقود الاعتبار الشخصي

تمثل شخصية العامل البحري عنصر هام ورئيسي وجوهري في تعاقد صاحب العمل معه تحديداً، لاسيما وأن عوامل التعاقد مع الربان أو البحار أو الطباخ أو غيرهم من العاملين على ظهر السفينة من كفاءة وخبرة وغيرها تكون ذات تأثير في اختيار هؤلاء العاملين، فلا يقبل صاحب العمل أن يقوم بحار آخر خلاف المتعاقد معه بأداء العمل محل عقد العمل البحري.

4- عقد العمل البحري هو عقد زمني

العقد الزمني هو العقد الذي يمثل فيه الزمن عامل أساسي ومؤثر في العقد، فهو يعد معيار تقاس به أداءات طرفي العقد، فيتم قياس قدر ما يقدمه العامل البحري خلال مدة سريان عقد العمل البحري، كما يقاس مقدار العطاء الذي سيقدمه صاحب العمل كأجر خلال مدة سريان العقد.

ونتاجاً لاعتبار عقد العمل البحري عقداً زمنياً فإنه متى تم القضاء بفسخه أو إبطاله فإن آثار هذا الفسخ أو الإبطال لا ينسحب إلى الفترة السابقة على ذلك، بل تظل بما تم تنفيذه فيها من التزامات متبادلة صحيحة، ولكن يكون أثر الفسخ أو الإبطال هو أثر مستقبلي فقط على ما تبقى من مدة العقد وعلى الالتزامات التي لم يتم تنفيذها بعد.

5- عقد العمل البحري هو عقد محدد المدة

باعتبار أن عقد العمل البحري هو عقد من العقود الزمنية فإنه لا يخرج عن كونه إما عقد محدد المدة أو غير محدد المدة، وهو بالفعل يقع ضمن طائفة العقود محددة المدة وذلك بموجب نص المادة (170) من نظام العمل السعودي، والتي أوجبت أن يكون عقد العمل البحري ثابتاً فيه مدته سواء كانت لمدة زمنية أو لسفرة معينة.

وتكون مدة عقد العمل البحري محددة بإحدى طريقتين، الطريقة الأولى هي أن تكون محددة بمدة زمنية صريحة يتم تحديدها في العقد، فتكون على شاكلة “مدة العقد هي …… تبدأ من.. /.. / … وتنتهي في.. /.. /…”، أما الطريقة الثانية فهي أن تكون محددة برحلة بحرية يبدأ العقد ببدايتها وينتهي بنهايتها.

رابعاً: كيفية إثبات عقد العمل البحري

كما سبق وأن أشرنا سلفاً في هذا المقال أن عقد العمل البحري هو عقد رضائي، واشتراط القانون لكتابة العقد ليس شرطاً لانعقاده وإبرامه وإنما شرطاً لإثباته، ولكن التساؤل يثور بشأن كيفية إثبات عقد العمل البحري متى كان غير مكتوباً.

بداية نود أن نوضح أن إثبات عقد العمل البحري الغير مكتوب يحق للعامل البحري أن يثبته بكافة طرق الإثبات، لاسيما وأن العامل البحري هو الطرف الأضعف في علاقة العمل[4] مثله في ذلك مثل العامل في عقد العمل التقليدي لذلك كان لزاماً على المنظم أن يراعي ذلك، وهو بالفعل ما قام به المنظم السعودي حيث نص في المادة (51) من نظام العمل على أن “… ويعد العقد قائماً ولو كان غير مكتوب، وفي هذه الحالة يجوز للعامل وحده إثبات العقد وحقوقه التي نشأت عنه بجميع طرق الإثبات …).

ولا يتنافى رجوعنا إلى النصوص العامة لعقد العمل في هذا الشأن بالرغم من وجود أحكام خاصة بعقد العمل البحري، لاسيما وأن النظام – كما سبق وأن أوضحنا – قد قرر أن أحكام عقد العمل يتم تطبيقها على عقد العمل البحري فيما لم يرد به نص خاص، وبمراجعة الباب الحادي عشر من نظام العمل والخاص بتنظيم عقد العمل البحري سيتبين أنه لم يتضمن طرق إثبات عقد العمل البحري، وهو ما يعيدنا إلى الأحكام العامة لعقد العمل والتي منحت العامل الأحقية في إثبات العقد – متى كان غير مكتوب – بكافة طرق الإثبات.

وهو ما يقودنا إلى أن صاحب العمل لا يحق له إثبات عقد العمل البحري إلا بالكتابة، ويعزى ذلك إلى كون كتابة عقد العمل البحري هو مسؤولية صاحب العمل سواء كان مالك السفينة أو مستأجرها أو مجهزها، وذلك كما هو ثابت بنص المادة (170) من نظام العمل من أن المنظم قد ألزم صاحب العمل بتسجيل عقود العمل البحري في سجلات السفينة، وهو ما يستدل منه على أن تحرير عقد العمل في شكل مكتوب هو التزام على صاحب العمل، وبالتالي في حالة تقصيره وعدم كتابة عقد العمل البحري يكون عبء إثبات هذا العقد – وذلك من قبل صاحب العمل – مقيداً بالكتابة فقط دون غيرها من وسائل الإثبات الأخرى.

خامساً: الالتزامات المترتبة على عقد العمل البحري

ينشئ عقد العمل البحري – باعتباره عقد ملزم للجانبين – التزامات متعددة، منها ما يقع على عاتق صاحب العمل، ومنها ما يقع على عاتق العامل البحري، وسوف نتناول في هذا البند من المقال هذين النوعين من الالتزامات.

1- التزامات صاحب العمل

كما سبق وأن أوضحنا أن صاحب العمل غالباً ما يكون المجهز إن لم يكن المالك أو المستأجر للسفينة، وتتمثل التزاماته قبل العامل البحري في:

– يلتزم صاحب العمل البحري بأداء الأجر للعامل البحري في الموعد والمكان المتفق عليهما في عقد العمل البحري وبالقيمة الموضحة بالعقد، وذلك دون أي تأخير باعتباره أهم التزام من التزامات صاحب العمل[5]، كما وضع المنظم السعودي قاعدة مناطها عدم تخفيض أجر العامل البحري عن أجر رحلة واحدة متى تم اختصار الرحلة البحرية لأي سبب اختياري أو قهري، واستهدف من ذلك عدم المساس بأجر العامل البحري وحمايته.

أما إذا كان أجر العامل البحري يتمثل في حصة من الربح الذي تحققه الرجلة البحرية، أو حصة في القيمة الإيجارية الخاصة بالسفينة، ففي هذه الحالة لا يكون للعامل البحري أحقية في المطالبة بزيادة الأجر في حالة أن زادت مدة الرحلة البحرية أو تأخر وصولها، كما لا يحق له المطالبة بثمة تعويض متى تم إلغاء الرحلة، إلا أنه يحق له المطالبة بالتعويض متى كان إلغائها يرجع إلى فعل الشاحن، ويكون الملتزم بالتعويض هنا هو المجهز باعتباره صاحب العمل.

– يلتزم صاحب العمل أيضاً بتوفير الغذاء والمبيت للعامل البحري، وذلك طبقاً لما نص عليه نظام العمل في مادته رقم (178) من أن “غذاء البحارة ونومهم على نفقة مجهز السفينة وينظم ذلك بقرار يصدره الوزير”.

ويعزى هذا الالتزام إلى الطبيعة التي يتسم بها العمل البحري، حيث تستلزم تلك الطبيعة أن يكون تأدية العمل على ظهر السفينة أثناء رحلتها في عرض البحر، وهذه الرحلة قد تستغرق ليس أيام فقط بل قد تصل إلى أسابيع، مما يلقي على عاتق صاحب العمل التزام عيني بإطعام وإيواء البحارة بتهيئة أماكن لهم للنوم على السفينة، ولا يجوز أن يسدد لهم مقابل مالي لقاء ذلك بل يلزم أن ينفذ ذلك الالتزام عيناً بتقديم الطعام والمأوى لهم.

– يلتزم صاحب العمل كذلك بالرعاية الصحية للعاملين البحريين على سفينته خلال مدة عملهم، وعلاجهم من أي أمراض يصابون بها سواء كانت بسبب عملهم أم لا، ومداواة الإصابات التي يصابون بها أثناء العمل، وتوفير كافة الأدوية اللازمة لذلك، وذلك جميعه بمصروفات تقع على عاتق صاحب العمل وحده.

– يقع على عاتق صاحب العمل التزاماً إدارياً هاماً ألزمه به نظام العمل بنص المادة (179)، ويتمثل هذا الالتزام في أن يحدد مواقيت عمل العامل البحري على السفينة أثناء الرحلة البحرية بصورة لا يتجاوز معها عدد تلك الساعات في اليوم الواحد أربعة عشر ساعة، ولا تتجاوز في الأسبوع الواحد – سبعة أيام – عدد اثنين وسبعون ساعة.

– ألزم النظام صاحب العمل بأن يقوم بترحيل العامل البحري وإعادته إلى موطنه بنفقات على عاتق صاحب العمل وحده، وذلك في عدة حالات حددها المنظم ويمكننا أن نوجزها في:

  • متى تم إلغاء الرحلة البحرية بعد قيام السفينة من ميناء القيام لسبب يرجع إلى صاحب العمل (المجهز).
  • متى تم إلغاء السفر بعد بدء السفينة لرحلتها البحرية بسبب وقف التعامل التجاري مع الجهة التي تتجه إليها السفينة.
  • متى تم استبعاد العامل البحري وإخراجه من السفينة لكونه قد أصيب بمرض أو عاهة أو أي جروح.
  • متى تم بيع السفينة في دولة أجنبية.
  • متى صدر قرار بعزل العامل البحري خلال الرحلة البجرية بدون سبب نظامي مشروع يسوغ ذلك.
  • متى انتهى عقد العمل البحري خلال تواجد السفينة في ميناء خلاف الميناء المنصوص عليه بعقد العمل.

– يلتزم صاحب العمل بأن يمنح العامل البحري حصة من المكافآت التي تحصل عليها السفينة التي يمارس عمله عليها، وذلك نتيجة تقديم المساعدة أو الإنقاذ لأي سفينة أخرى، ولا يتوقف استحقاق العامل البحري لتلك الحصة على طريقة احتساب الأجر الذي يتقاضاه.

2- التزامات العامل البحري

في مقابل التزامات صاحب العمل الموضحة سلفاً، فإن عقد العمل البحري يرتب على العامل مجموعة من الالتزامات التي نوجزها في:

– يلتزم العامل البحري باختلاف طبيعة عمل كل منهم – ربان، بحار، طاه وغيرهم – بأن يقوم بأداء عمله الذي يقع على عاتقه وفقاً لما هو متفق عليه بعقد العمل البحري، ولا يجوز لصاحب العمل – كقاعدة عامة – تكليف العامل البحري بعمل يختلف عن عمله الوارد بعقد العمل البحري، واستثناء من ذلك أجاز النظام لصاحب العمل ذلك في حالتين، الحالة الأولى هي أن يكون ذلك بموافقة العامل البحري على ذلك بموجب موافقة مكتوبة، والحالة الثانية أن تقتضي ذلك حالة من حالات الضرورة أو حالات القوة القاهرة.

– يلتزم العامل البحري أيضاً بجانب تنفيذه للعمل المتفق عليه أن يكون قيامه بذلك العمل شخصياً، فلا يوكل غيره بالقيام به بل يلزم أن يقوم به بنفسه، لاسيما وأنه قد سبق وأن أوضحنا أن الاعتبار الشخصي للعامل البحري يمثل عنصر رئيسياً في تعاقد صاحب العمل معه.

وإن كان ذلك لا يحول دون أن يقوم العامل البحري بأداء العمل عن طريق تكليف شخص آخر بالقيام به بشكل استثنائي، إلا أن ذلك الاستثناء مقيد بأن يكون ذلك بالاتفاق مع صاحب العمل وبموافقته، لاسيما وأن تلك المسألة لا تتعلق بالنظام العام فيجوز أن يتم الاتفاق على ما يخالفها[6].

– يلتزم العامل البحري بأن يطيع الأوامر التي يتلقاها من ربان السفينة باعتباره هو ممثل صاحب السفينة ووكيله عليها، حيث يرتبط جميع العاملين البحريين على السفينة بعلاقة تبعية بالربان، وتلك العلاقة تضعهم قيد الطاعة لكافة ما يوجه إليهم منه من أوامر وتوجيهات، شريطة ألا يكون ضمن تلك الأوامر والتوجيهات أي مخالفة للنظام والآداب العامة، أو يكون فيها أي خطورة على العامل أو باقي العاملين الآخرين.

سادساً: حالات انقضاء عقد العمل البحري

ينتهي وينقضي عقد العمل البحري بأحد طريقين، الطريق الطبيعي وهو انتهاء مدته، والطريق غير الطبيعي الذي يتمثل في أن يصبح تنفيذ العقد مستحيلاً.

1- انقضاء عقد العمل البحري بانتهاء مدته

كما سبق وأن أشرنا فإن عقد العمل البحري يكون محدد المدة، إما بتحديد مدة زمنية معينة يسري خلالها وبالتالي ينقضي متى انتهت تلك المدة، وإما أن تكون محددة برحلة بحرية محددة فينتهي العقد بانتهاء هذه الرحلة، وفي كلتا الحالتين ينقضي عقد العمل البحري وينتهي دون حاجة إلى أي إجراء آخر، فلا يقتضي الأمر أن يخطر أياً من طرفيه الآخر، وفي حالة قيام صاحب العمل بإنهاء عقد العمل البحري قبل انتهاء مدته أو قبل انتهاء الرحلة التي يسري العقد خلالها دون أن يستند في ذلك إلى سبب مشروع يسوغ له ذلك، فيصبح ملتزماً تجاه العامل بالتعويض عن ذلك الإنهاء غير المشروع، وهذا التعويض يستوي في قيمته ما هو متبقي للعامل البحري من أجر عن باقي مدة العقد التي لم يتم استكمالها نتيجة هذا الإنهاء.

2- انقضاء عقد العمل البحري متى أصبح تنفيذه مستحيلاً

هناك بعض الحالات التي قررها المنظم السعودي بالمادة رقم (182) من نظام العمل، والتي جعل لصاحب العمل أن ينهي علاقة العمل مع العامل البحري من طرف واحد وقبل نهايتها، وذلك دون أن يكون مطالباً بإخطار العامل بشكل مسبق قبل الإنهاء، ودون أن يكون مطالباً بمنحه أي تعويض عن ذلك الإنهاء، وهذه الحالات هي تحديداً حالتين وهما:

  • الحالة الأولى: أن تكون السفينة التي التحق العامل البحري بالعمل عليها قد غرقت، أو تمت مصادرتها، أو فقدت في البحر، أو أصابها عطب ما فلم تعد صالحة للإبحار، وبالتالي يصبح تنفيذ العقد مستحيلاً لعدم وجود السفينة التي سيتم تنفيذ العقد عليها.
  • الحالة الثانية: أن يتم إلغاء الرحلة البحرية التي يمارس العامل عمله خلالها، شريطة أن يكون هذا الإلغاء قد تم في بداية الرحلة، وألا يكون هذا الإلغاء بسبب يرجع إلى المجهز باعتباره صاحب العمل، وأن يكون تقاضي العامل البحري لأجره محدداً بالرحلة البحرية الواحدة، ومتى تحققت تلك الشروط يحق لصاحب العمل أن ينهي عقد العمل البحري، إلا إذا كان هناك اتفاق بالعقد على ما يخالف ذلك، كما لو تم الاشتراط فيه بأن العامل يستحق الأجر حتى لو تم إلغاء الرحلة البحرية.

ونحن لنا هنا ملاحظة على هاتين الحالتين، وتتمثل هذه الملاحظة في أن صاحب العمل في هاتين الحالتين ليس صاحب إرادة في إنهاء عقد العمل البحري، فالعقد هنا – من المفترض والطبيعي – أن ينقضي وينتهي من تلقاء نفسه لاستحالة تنفيذه، ولا يتوقف في إنهائه على رغبة أو إرادة أياً من صاحب العمل أو العامل، اللهم إذا كان المنظم يرغب في ترك الحرية لصاحب العمل في إنهاء العقد أو منح العامل أجره، وهذا أيضاً لا يعد مبرر حيث يمكن أن يمنح صاحب العمل للعامل الأجر حتى لو حرمه منه النظام وأسقط حقه فيه، فهذا الأمر هو أمر يتعلق بإرادة صاحب العمل ولا يخالف بموجبه النظام العام متى قام به، وهو ما لا نجد معه أي مبرر لجعل الإنهاء في هاتين الحالتين حقاً لصاحب العمل.

سابعاً: الخاتمة

على الرغم من تنظيم المنظم السعودي لعقد العمل البحري بشكل دقيق، لاسيما وأنه قد سلك مسلكاً محموداً في إفراد باب كامل خاص بذلك في نظام العمل، إلا أننا نرى أنه قد قام بوضع صياغة لبعض المواد لا تتناسب مع إظهار المقصود من مضمونها، وذلك كما هو الحال في نص المادة (182) والخاصة بإنهاء عقد العمل البحري قبل نهاية مدته، حيث استهلها بلفظ “يجوز لصاحب العمل إنهاء العقد ….” وهذا الاستهلال للمادة كان يلزم لكي يعبر عن مضمونها الحقيقي أن يصاغ على النحو التالي “ينتهي عقد العمل البحري من تلقاء ذاته …”، فنهيب بالمنظم السعودي تدارك ذلك القصور البسيط ليتكامل التنظيم الجيد الذي وضعه لعقد العمل البحري.

 

كتابة: أحمد عبد السلام

[1] – مصطفى كمال طه – القانون البحري الجديد: السفينة، أشخاص الملاحة البحرية، إيجار السفينة، النقل البحري، الحوادث البحرية، التأمين البحري – دار الجامعة الجديدة – مصر – 1995 – ص176.

[2] – أحمد محمود خليل – موسوعة التشريعات الفقهية تأصيلاً وفقهاً وقضاء: التقنين البحري المصري، النقل البحري، الحوادث البحرية، التأمين البحري – المكتب الجامعي الحديث – مصر – 2010 – ص33.

[3] – رأفت حماد – الوجيز في النظرية العامة للالتزامات: الجزء الأول: مصادر الالتزام – مج (1) – دار النهضة العربية – مصر – بدون عام نشر – ص29.

[4] – السيد عيد نايل – الوسيط في شرح نظامي العمل والتأمينات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية: الكتاب الأول: نظام العمل السعودي الجديد – ط2 – مكتبة الرشد – المملكة العربية السعودية – 2014 – ص34.

[5] – محمود سمير الشرقاوي – القانون البحري – دار النهضة العربية – مصر – 2011 – ص279.

[6] – شواخ الأحمد – الوجيز في نظام العمل السعودي – ط2 – منشورات جامعة دار العلوم – المملكة العربية السعودية – 2017 – ص248.