كيفية كتابة عقد تشطيبات بناء وفق النظام السعودي
تحتل عقود المقاولات في العصر الحالي أهمية بالغة، نظرا لما تشمله أعمال المقاولات من خطورة بالغة، سواء من الناحية الأمنية أو من الناحية الاقتصادية، يكفي أن تعلم أن أعمال المقاولات إذا لم تتم على نحو سليم قد تتسبب في هلاك العديد من الأشخاص، هذا فضلا عن الخطورة الاقتصادية التي تتمثل في هدم ما تم بناؤه إذا كان مخالفا للمواصفات أو إذا كان غير مطابق للأعمال المراد إتيانها، وهو ما قد يكبد صاحب العمل مبالغ باهظة، لذا يفضل أن يتم كتابة عقد يتضمن كافة الشروط الخاصة بمقاولة تشطيبات البناء، على أن يكون هذا العقد مرجعا حال وجود أي خلاف بين صاحب العمل والمقاول، وكذا يتم الاستعانة بهذا العقد لتحديد المسئولية المدنية عن الأضرار التي قد تقع على صاحب العمل أو الغير نتيجة القيام بأعمال تشطيبات البناء، وهو ما يتطلب أن يكون هناك حرص بالغ حال كتابة عقود تشطيبات البناء خصوصا، وعقود المقاولات في المجمل، وفيما يلي نوضح العناصر الرئيسية لمقالنا الذي يتناول كيفية كتابة عقد تشطيبات البناء وفق النظام السعودي.
أولاً: التعريف بعقد تشطيبات البناء:
ثانياً: شرعية عقد تشطيبات البناء:
ثالثا: أهمية عقد تشطيبات البناء:
رابعاً: لماذا نحتاج إلى كتابة عقد تشطيبات البناء:
خامساً: مسئولية المقاول في عقد تشطيبات البناء:
سادساً: نصائح وتحذيرات مهمة في كتابة عقد تشطيبات البناء:
سابعاً: تعريفات هامة في عقد تشطيبات البناء:
ثامناً: كيفية كتابة عقد تشطيبات البناء:
أولاً: التعريف بعقد تشطيبات البناء:
عقد تشطيبات البناء في المجال القانوني هو من العقود غير المسماة، أي من العقود التي لم يتم وضع تقنين أو نظام خاص بها، ولما كانت عقود التشطيبات أو المقاولات بشكلها الحالي لم تظهر قديما فقلما تجد تعريفا شارحا لها إلا أنه يمكن إيراد التعريف الوارد في مجلة الأحكام العدلية لعقود المقاولة أو الاستصناع بأنها: “عقد مقاولة مع أهل ألصنعة على أن يعملوا شيئا، فالعامل صانع، والمشتري مستصنع، والشيء مصنوع”.[1]
ومن هذا التعريف يمكننا أن نستنبط أن عقد التشطيبات من العقود الرضائية الملزمة للطرفين أي أنه عقد قائم على الرضاء بين طرفي التعاقد، فيتخير صاحب العمل المقاول المناسب وفقا لاحتياجاته الفنية والمادية على أن يتم الاتفاق في متن هذا العقد على الأعمال المطلوبة بالكفاءة أو الجودة اللازمة وموعد محدد لنهاية أعمال التشطيب فضلا عن التزام صاحب العمل بأن يؤتي مقاول التشطيبات المقابل المادي في الوقت المحدد في العقد وبالتالي فهو أيضا من عقود المعاوضة التي تنصب على عوض مادي مقابل أداء الالتزام الخاص بإتيان أعمال التشطيبات.
ثانياً: شرعية عقد تشطيبات البناء:
لشرعية عقد تشطيبات البناء أدلة كثيرة في الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، وإن لم تكن أدلة صريحة إلا أنه يمكن استنباطها، لأن عقد تشطيبات البناء من العقود حديثة النشأة إلا أننا وبالبحث سيتأكد لنا أن ديننا الحنيف حث على كتابة كافة أنواع الالتزامات والوفاء بها إلا ما حرم الله ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حيث قال تعالى: ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ”،[2] وهنا حث الله تعالى على حفظ المال وهو ما لا يمكن في الوقت الحالي إلا بعد كتابة عقد لحفظ الحقوق بين الأطراف، وقال تعالى: ” وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”،[3] ويُعد من البيع عقود مقاولة التشطيبات حال كونه عقد ينصب على عوض ومقابل مادي لما سيقوم به مقاول التشطيبات.
ومن الأحاديث النبوية ما ورد عن البخاري رحمة الله عليه بقوله: “حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم قال أتى رجال إلى سهل بن سعد يسألونه عن المنبر فقال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة قد سماها سهل أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس فأمرته يعملها من طرفاء الغابة ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فأمر بها فوضعت فجلس عليه”،[4] وهو ما يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز إسناد أعمال المقاولة والتشطيبات إلى أهلها، وهو ما يقطع بمشروعيه عقود تشطيبات البناء وعقود المقاولات بوجه عام طالما انه لا يوجد نص بتحريمها حال كون أن الأصل في الأمور الإباحة.
وفيما يخص كتابة العقد ذاته حيث قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ”.[5] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المسلمون على شروطهم”،[6] رواه الترمذي، وهو ما يؤكد على أهمية وجود شروط في العقود حتى لا تضيع حقوق العباد بل ويجب الالتزام بها فالمسلم لا يخالف شرط اتفق عليه.
ثالثا: أهمية عقد تشطيبات البناء:
لما كانت تشطيبات البناء من الأهمية بمكان، فكان واجبا تحديد كافة الشروط في عقد تشطيبات بناء، على أن يتضمن هذا العقد تحديد للوحدات التي سيتم تشطيبها، ونوع وماهية هذا التشطيب وكيفية القيام بأعمال التشطيب، فضلا عن السماح أو عدم السماح للمقاول بالتعاقد مع مقاول أو اكثر من الباطن حال كون أعمال التشطيب من الأعمال الفنية والتي تتطلب في القائم بها احتراف مهنته بدرجة معينه بالإضافة إلى تحديد القيمة المادية التي سيتم سدادها مقابل أداء تلك الأعمال والموعد المحدد للانتهاء من أعمال التشطيب وتحديد شخص القائم باستلام الأعمال التي تم تشطيبها والألية التي سيتم من خلالها تحديد نسبة إتمام أعمال التشطيب أو الاستعانة بذوي الخبرة ممن تتوفر فيهم الحيدة لاستلام الأعمال التي تم الانتهاء منها.
ويُستفاد مما تقدم أن عقد تشطيبات البناء قد يصبح من العقود المعقدة التي تتضمن العديد من الشروط والتي تحمي مصالح الطرفين بشكل كبير وهو ما ينبني عليه وجود أهمية كبيرة لعقد تشطيبات البناء.
رابعاً: لماذا نحتاج إلى كتابة عقد تشطيبات البناء:
عادة ما ينعقد العقد بالكلمة إلا أن انعقاد العقد بالكلمة قد لا يكون له أثر في الإثبات إذا ما حدث خلاف لا قدر الله، هذا فضلا عن اشتراط كتابة العقد لوجود مكنه قانونية لمحاسبة المقاول حال تقصيره في أداء أعماله، بالإضافة إلى تثبيت حق المقاول القائم بأعمال التشطيب في تقاضي المقابل المادي لأداء أعمال التشطيب وهذا من الأمور التي لا يمكن إثباتها إلا بكتابة عقد تشطيبات بناء.
خامساً: مسئولية المقاول في عقد تشطيبات البناء:
لما كانت المملكة العربية السعودية في نظامها القضائي تسير وفقا لنهج الشريعة الإسلامية، وكانت الشريعة الإسلامية بدورها قائمة على مبادئ العدل والمساواة والإنصاف بين الناس جميعا، ولما كان ذلك فقد اقر القضاء السعودي والأنظمة الداخلية في المملكة بمسئولية المقاول عما يقع منه من أخطاء سواء فيما عرف بالمسئولية التقصيرية والمسئولية المدنية حيث ورد في مجلة الأحكام الشرعية في (المادة 706) أن: ” ألأجير المشترك يضمن ما تلف بفعلة ولو عن غير قصد “.
وورد في ذات المجلة في (المادة 707) أن: ” عمل الأجير المشترك وما تولد منه مضمون عليه فيضمن ما نقص بخطئة كما لو استأجر خياطا ليفصل القماش له جبة ففصله قميصا “.[7]
وعلى هذا المنهج سار القضاء السعودي حيث أقر بمسئولية المقاول عما يقع فيه من أخطاء ولو كانت غير قصدية طالما يعمل المقاول بشكل مستقل عن صاحب العمل، وهنا يشترط لإعمال مسئولية المقاول أن يكون الخطأ قد وقع من جانبه أو بسبب يرجع له ولو كان عن غير قصد، أما إن كان السبب يجد مرجعة لدى صاحب العمل، كما لو كان يتدخل في الأعمال الفنية التي يقوم بها مقاول التشطيبات، أو كان يتدخل في تحديد أنواع الخامات المستخدمة أو يقوم بنفسة بشرائها، فيكون مسئولا عن الأخطاء التي تقع نتيجة لما قرره، سواء من شراء خامات غير مناسبة أو التدخل في الأمور الفنية البحتة التي يجب إن يتم تركها لذوي الخبرة لتحديدها.
سادساً: نصائح وتحذيرات مهمة في كتابة عقد تشطيبات البناء:
عند كتابة عقد تشطيبات البناء يجب إن يتم الالتزام ببعض النقاط التي يمكن نلخصها فيما يلي:
1- يجب التأكد من شخصية المقاول والتأكد عما إذا كان مقاول معتمد من عدمه، فالمقاول يجب أن يكون حاصل على ترخيص وذلك وفقاً لما ورد (بالمادة الأولى) من تنظيم الهيئة السعودية للمقاولين المقاول والتي نصت على أن: ( المقاول هو الشخص ذو الصفة الطبيعية أو الاعتبارية، المرخص له نظاماً بالقيام – منفرداً أو مشتركاً مع غيره – بتنفيذ عقد في أحد مجالات المقاولات).
2- يجب أن يتم تحديد نوعية الخامات المستخدمة ودرجتها.
3- يجب أن يتم الاتفاق على موعد محدد لبدء العمل وتسلم المقاول العقار المراد تشطيبه.
4- تحديد موعد محدد لنهاية العمل وتسليم العقار لصاحب العمل مرة أخرى.
5- تبيان عما إن كانت تلك التشطيبات من الأعمال الفنية البحتة التي يجب أن يقوم بها مقاول التشطيبات بنفسه أم أنه يمكن الاستعانة بمقاول من الباطن لإتمام الأعمال
6- طريقة تسلم الوحدات بعد انتهاء التشطيب وتحديد ما إذا كان صاحب العمل سيتسلمها بنفسه أم سيوكل أحد من ذوي الخبرة لفحص أعمال التشطيبات قبل تسلم الوحدة
7- تحديد المقابل المادي للخامات المستخدمة إذا كان المقاول سيقوم بابتياعها بنفسه.
8- تحديد المقابل المادي الذي سيتقاضاه المقاول مقابل أداء أعمال التشطيبات.
9- وضع شرط جزائي حال تخلف المقاول عن تسليم الوحدات في الموعد المحدد.
10- مراعاة توضيح الوحدات التي سيتم تشطيبها بشكل نافي للجهالة
11- توضيح كافة البيانات الخاصة بالمقاول القائم بأعمال البناء وكذا تبيان عما إن كان سيستعين بمساعدين من عدمه لسد زريعة الاستعانة بمقاول من الباطن لإتمام أعمال التشطيبات.
وفي النهاية نود الإشارة إلى أن تلك النصائح والتحذيرات ليست على سبيل الحصر، فهي خاضعة في النهاية للظروف والملابسات التي قد تحيط بالعقد وكذا نوع الأعمال التي يتم القيام بها نظرا لأن عبارة أعمال تشطيبات البناء إنما تشمل العديد من الأعمال والتي قد يتعلق بعضها بالسلامة والأمان الخاص بالوحدات السكنية والتي يجب أن تتضمن العقود المنصبة عليها العديد من البنود الخاصة والتي تحمي حياة المواطنين وتثير مسئولية المقصر سواء كان صاحب العمل أم المقاول ولذا فيجب دائما الاستعانة بذوي الخبرة من السادة المحامين في كتابة العقود حتى يتم تغطيتها من كافة الجوانب.
سابعاً: تعريفات هامة في عقد تشطيبات البناء:
عادة ما يتضمن عقد تشطيبات البناء العديد من المصطلحات التي يجب أن يتم توضيحها ومن تلك المصطلحات ما يلي:
1- (صاحب العمل): وهو الطرف الأول في التعاقد الذي يقوم بالتعاقد مع المقاول لإتمام أعمال البناء وعادة ما يكون هو مالك العقار أو المستفيد من أعمال تشطيبات البناء.
2- (المقاول): هو الطرف الثاني في العقد وهو القائم بنفسه أو بواسطة الغير على إتمام أعمال تشطيبات البناء على النحو الوارد في عقد التشطيبات.
3- (المقاول من الباطن): هو مقاول خفي يتعاقد معه المقاول المباشر لإتمام أعمال تشطيبات البناء نيابة عنه وحتى تكون الاستعانة به مشروعه يجب إخطار صاحب العمل وموافقته على الاستعانة بمقاول من الباطن.
4- (العامل): هو كل من يستعين به صاحب العمل لإتمام أعمال البناء تحت إشرافه وفي وجودة وبمساعدته وهو يختلف عن المقاول من الباطن في أن الأخير يقوم بإتمام كافة أعمال التشطيبات نيابة عن المقاول، أما العامل يقوم بإتمام الأعمال تحت إشراف المقاول وفي وجودة في كثير من الأحيان.
5- (الكود السعودي للبناء): هو النظام الخاص بكافة الأعمال الخاصة بالبناء وتنظيمها من الناحية الإدارية والفنية وهو يتكون من عدد من الأكواد كل منها يتخصص في شق معين من أعمال البناء، وكذا ينظم ماهية المقاول والشروط الواجب توافرها فيه وكيفية حصوله على ترخيص بمزاولة أعمال البناء داخل المملكة.
ثامناً: كيفية كتابة عقد تشطيبات البناء:
يجب أن يمر عقد تشطيبات البناء في كتابته بالعديد من المراحل، فيجب أولا الاتفاق على كافة البنود الخاصة بالعقد وانتهاء مرحلة المفاوضات التعاقدية. على أن يبدأ العقد بشكل طبيعي بتاريخ اليوم الذي انعقد فيه الإيجاب والقبول ومن ثم يتم تبيان طرفي التعاقد الاسم والعنوان ورقم الهوية الشخصية وصفة كل منهما في التعاقد.
وفي المرحلة التالية يتم توضيح ماهية الأعمال محل التعاقد عما إن كانت أعمال تشطيبات بناء كاملة أم أعمال متعلقة بتشطيبات الكهرباء أو الأعمال الصحية…. الخ، ثم يتم توضيح العقار محل أعمال التشطيبات ويتم توضيح العقار توضيحا كاملا نافيا لأي جهالة وكذا توضيح حالة العقار قبل استلامه وكذا تاريخ وموعد استلام العقار.
وفي المرحلة التالية يتم توضيح ماهية أعمال التشطيبات التي يقوم المقاول بإتمامها ودرجتها والتكلفة الفعلية للخامات التي سيستخدمها المقاول وكذا المقابل المادي الذي سيتحصل علية المقاول لإتمام أعمال التشطيبات.
وعقب الاتفاق على كافة النقاط السابقة باعتبارها النقاط الجوهرية الفاصلة في عقد تشطيبات البناء يتم توضيح كافة الشروط الخاصة بكيفية تسليم العقار واستلامه عقب أنهاء أعمال التشطيبات ومدى أحقية صاحب العمل في مراقبة المقاول أثناء أداء أعماله، وكذا طريقة استلام العقار محل الأعمال وتوضيح عما إذا كان صاحب العمل سيتسلمه بنفسه أم سيستعين بأهل الخبرة لتسلمه.
ويجب الحرص على تغطية عقد التشطيبات بالكامل من كافة الجوانب ومراجعة كافة بنوده والتأكد من مطابقتها للكود السعودي للبناء وبطبيعة الحال مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية قبيل تقديم العقد للتوقيع عليه.
إعداد/ حسين سمير.
[1] د علي حيدر، درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، الجزء الأول، ص99.
[2] الآية (29) من سورة النساء.
[3] الآية (275) من سورة البقرة.
[4] احمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بيروت – دار الكتب العلمية، 1989م، الجزء 4، ص 400.
[5] الآية (282) من سورة البقرة.
[6] رواه الترمذي في (الأحكام) باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح برقم (1352).
[7] يراجع في ذلك مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام احمد بن حنبل, لأحمد بن عبدالله القارئ، ص261.