صور التعدي على المعلومات التجارية السرية في النظام السعودي
أصبحت المعلومات في عصرنا الحالي ذات قيمة هائلة في مجال العمل التجاري، بل ولا نبالغ في قولنا أن توافر المعلومات قد يكون أهم من توافر رأس المال في بعض الحالات إن لم يكن في أغلبها، وهو ما جعلها تشغل مكانة هامة بين صور وأشكال حقوق الملكية الفكرية بنوعيها – التجارية والصناعية – لما تتمتع به من قيمة اقتصادية بالغة، وتعد اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية والمعروفة باسم “اتفاقية تريبس” هي نقطة الانطلاق التي بدأت منها القوانين والتشريعات المختلفة الاهتمام بالمعلومات التي تعد من قبيل الأسرار التجارية.
وقد كان المنظم السعودي من رواد المشرعين العرب الذين بادروا بتوفيق النظم والقوانين الداخلية لهم لتتناسب مع انضمامهم لاتفاقية “تريبس”، فقام بإصدار لائحة المعلومات التجارية السرية الصادرة بقرار وزير التجارة السعودي رقم 3818 في 25/3/1426 هـ، والتي تضمنت بيان ببعض التصرفات التي تعد من قبيل التعدي على المعلومات التجارية السرية، وهو ما سنتناوله في هذا المقال بشيء من التفصيل.
أولاً: ما هو المقصود بالمعلومات التجارية السرية؟
يستلزم الأمر قبل أن نوضح صور الاستخدام المشروع والغير مشروع للمعلومات التجارية السرية أن نتعرض إلى تلك المعلومات بالتوضيح، سواء من حيث التعريف بها أو بيان بالشروط اللازم توافرها بها حتى تعد من قبيل المعلومات التجارية السرية.
1- التعريف بالمعلومات التجارية السرية
تعرف المعلومات التجارية السرية بمسمى آخر لدى بعض من التشريعات والفقه القانوني وهو الأسرار التجارية، ولا يوجد أي اختلاف بين المضمون فالاختلاف يقتصر على المسمى فقط، لذلك متى ورد في هذا المقال أحد هذين المسميين فإنه يعطي ذات المقصد والمعنى.
وكما هو الحال في المسمى كان هو ذاته الحال في التعريف، فاختلفت التعاريف التي وضعها الفقه والمشرعين للتعريف بالمعلومات التجارية السرية، ويجد هذا الاختلاف في التعريف ما يبرره حيث يمكننا أن نعزيه إلى ما يواجه توحيد التعريف من معوقات فعلية وواقعية، لاسيما وأن تطور القطاع الاقتصادي ومجالاته التجارية والصناعية المختلفة قد أفرز العديد والعديد من الأشكال والصور المختلفة من المعلومات التجارية التي تتمتع بالسرية وتستحق إسباغ الحماية القانونية عليها، وهو ما يصعب من عملية حصر وتحديد مفهوم المعلومات التجارية السرية في تعريف موحد.
وفي إطار لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية لم يقم المنظم الأردني بتعريف المعلومات التجارية السرية، حيث اكتفى في هذا الشأن بتحديد بعض من صور وأشكال تلك المعلومات، وترك تعريفها آراء الفقه واجتهادات القضاء، لذلك سوف نتناول أهم التعاريف التي وضعها الفقه القانوني للمعلومات التجارية السرية في النقاط التالية:
– عرفت المعلومات التجارية السرية لدى بعض الفقه بأنها المعلومات التي تسفر عنها مجهودات معتبرة تمت من قبل صاحب المعلومة، والذي يحافظ على سريتها التي تنبع منها القيمة التجارية للمعلومات، ويدخل في إطارها التصاميم والطرق الفنية أو البرامج التي تحتوي على معرفة فنية ذات قيمة تجارية[1].
– وعرفت لدى البعض الآخر بأنها المعلومات التي يمكن استعمالها في ممارسة عمل أو مشروع ما وتتمتع بقيمة اقتصادية محل اعتبار، وتستمد تلك القيمة من سريتها وما تمنحه تلك السرية لصاحبها من ميزة تنافسية أو اقتصادية، سواء كانت تلك الميزة قائمة أو محتملة[2].
– كما عرفت أيضاً بأنها المعلومات التي تتسم بالسرية وتخص التركيبة أو الابتكار الخاص بمكونات أو أسلوب صناعة سلعة محددة أو منتج معين أو المعارف الفنية والتقنية التي يحتفظ بها الصانع ولا يقوم بالإفصاح عنها.
وهو ما يتبين معه أنه وعلى الرغم من اختلاف التعاريف الفقهية للمعلومات التجارية السرية إلا أنها قد اتفقت في مجملها على السمات والخصائص المحددة لها والتي تضع وصفاً وتجسيداً لمضمونها، والتي تتمثل في أنها معلومات سرية، وتتمتع بقيمة تجارية أو اقتصادية، ويحيطها صاحبها بإجراءات تكفل لها الحماية وتحافظ على سريتها، وهي ذاتها الصفات والسمات التي قررها المنظم السعودي في اللائحة كشروط يلزم توافرها في المعلومات التجارية السرية، والتي سنتعرض لها تالياً.
2- الشروط الواجب توافرها في المعلومات التجارية السرية
حتى يمكننا اعتبار أن المعلومة هي معلومة تجارية سرية تستحق الحماية القانونية فقد اشترط المنظم السعودي أن تتوافر فيها أربعة شروط وعناصر أساسية، وهذه الشروط سوف نتناولها في النقاط الآتي بيانها.
أ- أن تكون المعلومة سرية
يتمثل أول شروط المعلومات التجارية السرية هي أن تتمتع بصفة هامة وهي صفة السرية، ولا نبالغ في قولنا إن هذا الشرط يعد هو المحور الأساسي للحماية القانونية التي تتمتع بها المعلومات التجارية السرية، لاسيما وأن السرية هي الأساس الذي يتم بموجبه إسباغ الحماية القانونية على المعلومة، فهي تفقد قيمتها متى فقدت سريتها.
والسرية التي نقصدها في مقامنا هذا ليست السرية المطلقة والتي لا يكون فيها أحد على علم بالمعلومة إلا صاحبها أو مجموعة محدودة من الأشخاص، ولكن يقصد بها ألا تكون معلومة لأصحاب الخبرة والاختصاص في المجال الذي تستخدم وتستغل فيه تلك المعلومة، وهو ما أيدته اتفاقية “تريبس” في تعريفها للسرية بأنها عدم القدرة على معرفة المعلومات بشكل يسير من قبل العاملين في مجال استعمال تلك المعلومات.
ولا يشترط في المعلومات التجارية لكي تكون سرية أن يتوافر وصف السرية لجميع العناصر التي تشارك في تكوينها، حيث يمكن أن تكون العناصر معروفة، ولكن الناتج عن دمجها هو الذي يتمتع بالسرية.
ب- أن تكون المعلومة ذات قيمة تجارية
يشترط المنظم السعودي أيضاً في المعلومات التجارية لكي تتمتع بالحماية القانونية أن يكون لها قيمة تجارية، ويقصد بالقيمة التجارية أن تكون المعلومة التجارية السرية قابلة لاستغلالها لتحقيق عوائد اقتصادية لصاحب تلك المعلومات أو الشخص المرخص له باستعمالها.
ولا تقتصر العوائد التي تدرها المعلومات التجارية السرية على المكاسب التي يحققها صاحبها، ولكنها تشمل أيضاً ما قد تجنبه لصاحبها من خسائر كان يمكن أن يتكبدها لولا استخدامه لتلك المعلومات أو ما تحققه من عامل جذب يستقدم عملاء جدد للنشاط الذي يمارسه صاحبها[3].
وبالتالي تعد القيمة التجارية من أحد أهم الدعائم التي يتم منح المعلومات التجارية السرية الحماية القانونية من أجلها، فما ليس له قيمة لا يخشى عليه من الاعتداء، وهو ما يجعل المعلومات التجارية عارية من ثمة حماية قانونية متى كانت لا تتمتع بأي قيمة تجارية، ولا يشترط في القيمة الخاصة بالمعلومة التجارية السرية أن تبلغ حداً معيناً مهما علا أو انخفض، فمجرد توافر أي قيمة لها يجعلها محمية قانوناً، خاصة وأن أي إضافة تمثلها – ولو شديدة الضآلة – على الميزة التنافسية مثلاً لصاحبها تعد فائدة تعود عليه بالنفع حتى وإن قل هذا النفع في الكم.
كما يدخل في احتساب وتقدير قيمة المعلومة التجارية مجموع ما يتم تكبده من نفقات في سبيل الحصول على تلك المعلومة واقتنائها، وهي تتفق مع تلك النفقات بشكل طردي أي أن قيمة المعلومة تزيد بذات المقدار الذي تزيد به نفقات الحصول عليها، كما تزيد بمقدار ما تمنحه لصاحبها من ميزة في مجال التنافس في عمله مع غيره من المنافسين.
ج- أن يتخذ صاحب المعلومة الإجراءات الحمائية اللازمة لحمايتها
يستلزم المنظم السعودي بجانب الشرطين السابقين شرط آخر يعد بمثابة دلالة على توافر هذين الشرطين، ويتمثل هذا الشرط في أن يكون صاحب المعلومة التجارية السرية المتمتعة بقيمة تجارية قد فرض أوجه وأشكال وإجراءات للحفاظ على سرية تلك المعلومة، وأيضاً لمنع الغير من الاعتداء عليها وإهدار قيمتها على صاحبها.
ونحن إذ نقول بأن هذا الشرط يمثل دلالة على تحقق الشرطين السابقين فإن قولنا هذا يستند إلى أدلة من المنطق والعقل، فإذا كانت المعلومة تتمتع بالسرية فإن وجه الدلالة على ذلك أن تكون محفوظة في مكان أمين وفي ظل قيود وإجراءات أمنية تحافظ على تلك السرية، وإذا كانت تتمتع بقيمة تجارية لصاحبها فمن المنطقي ألا يدعها تحت نظر الآخرين دون حماية، بل يجب أن يحيطها بالحماية التي تحافظ على قيمتها من اعتداءات الآخرين، فما هو الحال إذا كانت المعلومة سرية وتتمتع بقيمة تجارية في آن واحد، فهذا أدعى بأن تكون هناك إجراءات حمائية عليها ليستدل منها على ما تتمتع به من سرية وقيمة تجارية.
كما أن تحديد ما إذا كانت الإجراءات التي اتخذها صاحب المعلومة التجارية السرية لحمايتها هي إجراءات حماية معتبرة من عدمه يختلف من معلومة إلى أخرى، وذلك باختلاف طبيعة المعلومة والظروف التي تتواجد بها والقيمة التي تتمتع بها، فعلى سبيل المثال أن توضع حراسة بشرية متمثلة في رجال أمن وحراسة على المكان الذي توجد به المعلومة، أو إحاطة مكان وجودها بكاميرات المراقبة، أو غيرها من إجراءات وطرق الحماية المختلفة.
د- ألا تتعارض المعلومة مع الشريعة الإسلامية “النظام العام” أو الآداب العامة
نص المنظم السعودي في المادة رقم (7) من لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية على أن (لا تحمي هذه اللائحة الأسرار التجارية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية “النظام العام” أو الآداب العامة).
ومن منطلق نص المادة المذكورة نجد أن هذا الشرط على الرغم من بداهته إلا أن المنظم السعودي أصاب في النص عليه بشكل صريح وفي نص قانوني مستقل وخاص به، لاسيما وأن مخالفة المعلومة للشريعة الإسلامية التي تمثل النظام العام أو اشتمالها على ما يخالف الآداب العامة، فإن ذلك يترتب عليه وبشكل مباشر انحسار أي حماية قانونية عن تلك المعلومة، حيث إنها قد أصبحت غير صالحة لتكون محلاً للحماية[4].
- ومن مجمل ما سبق يمكننا أن نجمل تلك الشروط في صورة تعريف بالمعلومات التجارية السرية المستحقة للحماية القانونية، والذي يتمثل في أنها المعلومات التي تتسم بسريتها وأنها غير مكشوفة للجمهور من العاملين بمجال النشاط الذي تصلح تلك المعلومة للاستخدام فيه، وتتمتع بقيمة تجارية تعود على صاحبها بالمنفعة، ويسبغ عليها صاحبها درجة حماية مناسبة للحفاظ عليها، ولا تتضمن ما يخالف الشريعة الإسلامية “النظام العام” أو الآداب العامة.
ثانياً: حالات إباحة استخدام المعلومات التجارية السرية
قبل أن نتعرض لصور التعدي على المعلومات التجارية السرية فإنه يلزم علينا قبل ذلك أن نوضح الحالات التي يبيح فيها المنظم السعودي للغير استخدام المعلومة التجارية السرية دون أن يتعرض لأي مسؤولية من أي نوع، ويعد استخدامه للمعلومة في تلك الحالات استخداماً مشروعاً، وقد حصر المنظم السعودي هذه الحالات في الحالات التي سنتناولها في النقاط الآتي بيانها.
1- التوصل للمعلومات التجارية السرية بشكل مستقل أو عبر الهندسة العكسية
نصت المادة رقم (3/3) من لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية على أن (3- لا يعد مخالفة للممارسات التجارية النزيهة بوجه خاص التوصل إلى السر التجاري بصورة مستقلة أو عن طريق الهندسة العكسية).
وبموجب هذا النص أباح المنظم السعودي للغير ممن يتوصلون إلى المعلومة التجارية السرية بشكل مستقل أو باستخدام عملية الهندسة العكسية أن يستخدمونها، ويكون استخدامهم لها هو استخدام مشروع، ولا يتعارض مع ما تفرضه الممارسات التجارية النزيهة من قواعد.
ويقصد بالتوصل إلى المعلومة التجارية بشكل مستقل هو أن يكون الوصول إليها قد تم بالاعتماد على الجهود الشخصية الخاصة بمن يتوصل إلى تلك المعلومة، وبشكل مستقل تماماً عن صاحب المعلومة التجارية السرية الأصلية، فمن يتوصل إلى معلومة تجارية سرية تخص شخص آخر ويكون توصله إليها كان نتاجاً لأبحاثه وتجاربه المستقلة، فإنه يعد في مقام صاحبها الأصلي من حيث قدرته على استخدامها بالصورة التي يراها.
أما عمليات الهندسة العكسية فيقصد بها عمليات البحث والتحليل الخاصة ببيان تفاصيل التصميمات والمكونات وطرق التنفيذ لمنتج ما، وذلك عبر إعادة حله وتفكيكه إلى مكوناته الأولية لمعرفة كيفية صناعته.
وبالتالي يمكننا القول إن الحماية القانونية للمعلومات التجارية السرية لا تتمتع بكونها دائماً مطلقة، حيث إنها تظل كذلك للمعلومات حتى يتم اكتشافها من قبل الغير بالاعتماد على الجهود الشخصية لهذا الغير، فتصبح نسبية حيث يستثنى منها هذا الغير الذي اكتشف المعلومات بطريق مشروع، والذي تصبح له عليها حقوق مماثلة لحقوق صاحبها الأصلي.
كما تعتبر الحالات التي يتوصل فيها الغير إلى المعلومات التجارية السرية عن طريق البحوث العلمية وطرق الملاحظة المختلفة هي حالات يبيح فيها القانون لهذا الغير استخدام المعلومة، ويصبح هو الآخر في محل صاحبها الأصلي، طالما كان هذا الغير قد توصل إليها بالبحث العلمي في المراجع والمؤلفات والدراسات التي وضعت في هذا المجال.
وفي جميع الحالات السابقة يكون وصول الغير إلى المعلومة التجارية السرية قد حدث بصورة مشروعة، فيكون له الحق في استخدامها كصاحبها الأصلي، لكونه بالفعل قد اكتشفها بجهوده الشخصية.
2- التوصل للمعلومات التجارية السرية نتيجة اشتراطات الجهات الرسمية المختصة
قرر المنظم السعودي صورة أخرى تدخل في إطار الاستخدام المشروع للمعلومات التجارية السرية، وذلك بما جاء في نص المادتين رقم (5) و(6) من اللائحة، وتتمثل هذه الصورة في الحالة التي تشترط فيها التشريعات المنظمة لاستخدام وحماية المعلومات التجارية السرية أن يقوم صاحب تلك المعلومات بالكشف عن تلك المعلومات لجهة رسمية، وذلك لكي تقوم الأخيرة بعملية فحص لتلك المعلومات تمهيداً لمنح صاحبها الترخيص اللازم لاستخدامها، والذي يتم إسباغ الحماية القانونية بصدوره.
وقد أتاح المنظم للجهة الرسمية التي أصدرت الترخيص أن تصرح للغير أن يستخدم البيانات والاختبارات السرية التي تم التوصل إلى تلك المعلومات السرية من خلالها، وذلك خلال فترة سريان الحماية القانونية عليها، شريطة أن تتوافر إحدى الاشتراطات الآتية:
- أن يكون تكرار هذه الاختبارات للحصول على المعلومة التجارية السرية بالجهود الشخصية مؤدياً إلى تعرض إنسان أو حيوان لحالة من المعاناة، فيكون في الكشف عن تلك البيانات والاختبارات السرية ما يرفع هذه المعاناة ويتجنب حدوثها.
- إذا قدرت الجهة الرسمية المختصة بالتسجيل قد ارتأت من وجهة نظرها وتقديرها أن هناك مدة معقولة قد مضت على تسجيل المنتج في المرة الأولى دون أن يتم الإتجار فيه داخل المملكة العربية السعودية، فتقوم في تلك الحالة بمنح هذا الغير الحق في استخدام التجارب والبيانات التي تمت للحصول عليه.
- تحقق أي حالة من حالات الضرورة الملحة التي تدفع الجهة الرسمية إلى منح الغير الحق في استخدام التجارب والبيانات، ويكون تقدير مدى توافر تلك الضرورة الملحة من عدمه من سلطة واختصاص هذه الجهة الرسمية.
ثالثاً: صور التعدي على المعلومات التجارية السرية
تتعدد وتختلف صور التعدي على المعلومات التجارية السرية بصورة يصعب معها وضع حصر ثابت لها، لذلك فإن الصور التي تعرض إليها المنظم السعودي في لائحة حماية المعلومات التجارية السرية هي صور ذكرت على سبيل المثال وليس الحصر، فيجوز أن يقاس عليها حالات أخرى متى تشابهت الظروف والوقائع فيما بينهما.
لذلك سوف نتعرض إلى شرح للنماذج التي عددها المنظم السعودي على سبيل المثال لصور التعدي على المعلومات التجارية السرية، وذلك باعتبارها معايير أساسية تقاس عليها صور التعدي الأخرى التي لم ترد في اللائحة.
1- الحصول على المعلومة التجارية السرية بطريق غير مشروع
قرر المنظم السعودي في نص المادة (3/1) من لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية على صورة من صور التعدي على هذا النوع من المعلومات، وتتمثل تلك الطريقة في أن يكون الغير الذي تحصل على المعلومات قد تحصل عليها بطريق غير مشروع، وحتى يكون الحصول على المعلومات قد تم بطريق غير مشروع فقد حدد المنظم السعودي لذلك شرطين أساسيين وهما:
- أن يكون الحصول على المعلومات أو استعمالها أو إفشائها قد تم بشكل يتنافى مع الطرق التي تقرها الممارسات التجارية النزيهة، كما لو تمت سرقة المعلومات أو اختلاسها أو عن طريق الغش أو الخداع.
- أن يكون الحصول على المعلومات قد تم دون الحصول على الموافقة بذلك من قبل صاحب المعلومات التجارية السرية.
وبتحقق هذين الشرطين يصبح الفعل الحاصل من قبل الغير والمتمثل في الحصول على المعلومات التجارية السرية أو استعمالها أو إفشائها هو فعل فيه إساءة لاستعمال هذه المعلومات، ويلقي على عاتق مرتكبه عبء المسؤولية القانونية عن تلك المخالفة.
2- مخالفة التزامات ترتبها عقود تتعلق بالمعلومات التجارية السرية
نصت المادة (3/2/أ) من اللائحة على أن (2- …… يعد مخالفة للممارسات التجارية النزيهة بوجه خاص ما يلي: أ- الإخلال بالعقود ذات العلاقة بالأسرار التجارية).
ومن نص المادة المشار إليها يتبين لنا أن المشرع قد تعرض فيها إلى كافة صور التعدي على المعلومات التجارية السرية التي يكون أساس الالتزام فيها بعدم إفشائها هو التزام تعاقدي مبني على عقد، حيث يكون من ضمن الالتزامات الناتجة عن التعاقد هو التزام عدم الإفشاء بالمعلومات التجارية السرية، وذلك بغض النظر عن موضوع العقد طالما كان يتضمن التزاماً بعدم الإفشاء بتلك المعلومات.
ومن أهم صور التعدي المبني على الإخلال التعاقدي هي الإخلال بالالتزامات التي ترتبها اتفاقية عدم الإفصاح، وهذه الاتفاقية غالباً ما يلجأ أصحاب المعلومات التجارية السرية إليها لإسباغ الحماية على تلك المعلومات، وذلك في مواجهة من يقوم بكشف تلك المعلومات السرية عليهم، فيلزمهم بموجب تلك الاتفاقية بعدم إفشاء تلك المعلومات أو الإفصاح عنها، حيث تتضمن بنداً يلقي على عاتق المتعاقد مع صاحب المعلومات التزاماً بعدم إفشاء تلك المعلومات التجارية السرية للغير بدون الرجوع لصاحبها والحصول على موافقته، وهذه البنود غالباً ما ترد في اتفاقيات العمل والتوظيف التي تربط بين صاحب العمل – وهو صاحب المعلومات التجارية السرية – وبين العاملين والموظفين لديه، والذين تقتضي ظروف عملهم أن يطلعوا على تلك المعلومات، فيكون الالتزام بعدم الإفصاح والإفشاء ضمانة هامة لصاحب العمل في الحفاظ على سرية معلوماته.
وأيضاً يمكن أن يقع التعدي على المعلومات التجارية السرية من خلال مخالفة التزامات تعاقدية تفرضها عقود لا تدخل في إطار العقود التي تبرم في مجال العمل، وهي عقود تعرف باسم “عقود نقل التكنولوجيا”، وهي أيضاً عقود تقتضي اطلاع الطرف المتعاقد مع صاحب المعلومات التجارية السرية على تلك المعلومات، وهو ما يستلزم اشتمالها على التزام بعدم إفشاء تلك الأسرار.
وهذه الصور في مجملها يكون التعدي الواقع على المعلومات التجارية السرية فيها متمثلاً في إخلال ببند تعاقدي يفرض على الطرف المتعاقد مع صاحب المعلومات عدم إفشائها، وتكون الحماية هنا هي حماية نسبية لكونها لا تنطبق إلا على طرفي التعاقد دون غيرهم ممن لم يشاركوا في إبرامه.
3- إفشاء المعلومات التجارية السرية المؤتمنة والتحريض على إفشائها
قرر المنظم صور أخرى من صور التعدي على المعلومات التجارية السرية وهي إفشاء أو التحريض على إفشاء المعلومات السرية التجارية المؤتمنة، وذلك طبقاً لما جاء بنص المادة رقم (3/2/ب) من اللائحة من أن (ب- الإخلال بسرية المعلومات المؤتمنة أو الحث على الإخلال بها).
وهذه الصور تستلزم بداية ألا تكون هناك أي تعاقدات مبرمة بين صاحب المعلومات والغير الذي يتم ائتمانه على تلك المعلومات، كما هو الحال في أن يكون هذا الغير هو شريك لصاحب السر في النشاط التجاري الذي يمارسه، وبالتالي لا توجد أي اتفاقيات بينهما تخص عدم إفشاء المعلومات التجارية السرية، ولكن في نفس الوقت يكون الشريك مطلعاً على تلك المعلومات، فيعد هذا الشريك مؤتمناً على المعلومات، ويلتزم بموجب ذلك أن يحافظ على سريتها وألا يقوم بإفشائها.
وفي حالة إخلال الطرف المؤتمن على المعلومات التجارية السرية بالتزامه بالمحافظة على سريتها، وقام بأي فعل من الأفعال التي من شأنها أن تفقدها تلك السرية، فيعد مرتكباً لاعتداء على تلك المعلومات وذلك بإساءة استخدامها بما يخالف أصول الممارسات التجارية النزيهة.
ونود أن ننوه إلى أن تلك الصور يلزم لتحققها أن يكون الإفشاء قد تم للمعلومات التجارية السرية بدون أن تكون هناك موافقة من صاحب المعلومات على ذلك الإفشاء، ولا يختلف الحال عندئذ أياً كانت الوسيلة التي تم عن طريقها هذا الإفشاء[5]، كما أن المنظم قد وضع المحرض على الإفشاء في ذات منزلة القائم بإفشاء المعلومات، والحث أو التحريض على الإفشاء يمكن أن نوضحه من خلال مثال، فالمحرض الذي يقوم بالحث على الإفشاء قد يكون منافس لصاحب المعلومات التجارية السرية، ويقوم هذا المحرض بحث وتحريض أحد العاملين لدى صاحب المعلومات على إفشائها إليه، فإذا وقع التعدي يكون العامل مرتكب الاعتداء والمنافس المحرض على الاعتداء في ذات المنزلة.
4- الحصول على المعلومات مع العلم أو القدرة على العلم بعدم نزاهة مصدرها
جاءت تلك الصورة في نص المادة رقم (3/2/ج) والذي تضمن أن (ج- حصول شخص على الأسرار التجارية من طرف آخر إذا كان يعلم أو كان بمقدوره أن يعلم بأن حصول ذلك الطرف عليها كان نتيجة مخالفة للممارسات التجارية النزيهة).
وهذه الصورة يكون فيها الاعتداء على المعلومات التجارية السرية بشكل غير مباشر، حيث يكون مرتكب الاعتداء هو شخص آخر خلاف الشخص الذي يتحصل على المعلومات التجارية السرية، بحيث يتحصل عليها الأخير من الشخص المعتدي مع علمه بأنه قد تحصل عليها بشكل يخالف أصول الممارسات التجارية النزيهة، أو إذا كان من اليسير عليه أن يتبين ذلك بقليل من الجهد.
ولعل المنظم هنا قد اعتبر أن هذا الغير يعد مشاركاً مع المعتدي الذي تحصل على المعلومات من صاحبها بشكل غير مشروع، لاسيما إذا كان عالماً بمصدرها وطريقة تحصله عليها، أو كان يمكنه تبين ذلك بقدر من الجهد، وهو في ذلك تعامل معهما ذات المعاملة التي يتعامل بها مع حالة شراء البضائع المسروقة مع العلم بكونها مسروقة حيث يوضع فعل الشراء هنا موضع التجريم.
وهو ما يلقي على عاتق من يتحصل على معلومات تجارية سرية أن يتأكد قدر الإمكان من المصدر الذي تحصل منه صاحب المعلومة الذي يتعامل معه على معلومته هو مصدر مشروع يتفق مع أصول الممارسات التجارية النزيهة، وليس نتاجاً لاعتداء غير مشروع على تلك المعلومات وحقوق صاحبها الأصلي عليها، وإلا كان في موضع قد يتحمل فيه المسؤولية مع المعتدي متى ثبت حصوله على المعلومات التجارية السرية بصورة غير مشروعة.
رابعاً: الخاتمة
لا يمكن لأحد أن ينكر أن المنظم السعودي قد أصاب عندما قام بتناول صور التعدي على المعلومات التجارية السرية بصورة رمزية، حيث جعلها نماذج توضح أهم الأمثلة لتلك الصور ولم يضعها في شكل حصري، إلا أن هناك أمر هام نود أن نوجه عناية المنظم السعودي إليه ألا وهو ضرورة أن تتضمن اللائحة عقوبات جنائية يتم توقيعها على من يقم بفعل من الأفعال التي تمثل صورة من صور التعدي على المعلومات التجارية السرية، لاسيما وإن اشتمال اللائحة على بيان بالأفعال التي تعد اعتداء لا يكفي إلا إذا اقترن بنصوص العقاب على ذلك الفعل، وهو ما يستدعي تعديل لائحة حماية المعلومات التجارية السرية السعودية بإضافة نص قانوني بها يتضمن العقوبات المحددة لصور الاعتداء على تلك المعلومات.
كتابة: أحمد عبد السلام
[1] – سميحة القليوبي – الملكية الصناعية وبراءات الاختراع ونماذج المنفعة والتصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة والمعلومات غير المفصح عنها والعلامات والبيانات التجارية والمؤشرات الجغرافية والتصميمات والنماذج الصناعية والأصناف النباتية والاسم التجاري وفقاً لأحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 ولائحته التنفيذية واتفاقية تريبس – دار النهضة العربية – مصر – 2009 – ص415.
[2] – حسام الدين الصغير – حماية المعلومات غير المفصح عنها والتحديات التي تواجه الصناعات الدوائية في الدول النامية – دار الفكر الجامعي – مصر – 2003 – ص20.
[3] – مرتضى عبد الله ومحمد وائل – القواعد الخاصة لحماية المعلومات غير المفصح عنها وعلاقتها بالصناعات الدوائية – مجلة البحوث القانونية والاقتصادية – مج 2 – ع (1) – يناير 2020 – ص 100.
[4] – عبد الهادي الغامدي – الملكية الصناعية وفقاً لأنظمة الملكية الصناعية السعودية واتفاقيتي باريس والتربس – مكتبة الشقري – الرياض – 1434 هـ – ص 262.
[5] – رياض عبد الغفور – الحماية القانونية للمعلومات غير المفصح عنها – مجلة جامعة الأنبار للعلوم القانونية والسياسية – ع (8) – كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة الأنبار – العراق – 2014 – ص385.