عقد التأجير التمويلي في النظام السعودي
يعتبر عقد التأجير التمويلي من العقود التي تجد أصلها في الشريعة الإسلامية الغراء، والتي ظهرت في شكل استخدام عقد الإجارة في عمليات التمويل المتمثلة في تناقل حق المنفعة بين أكثر من شخص لقاء ثمن يتم الاتفاق عليه ولمدة زمنية محددة، ثم تطورت وفقاً للمستجدات الزمنية المتتالية ليتفرع عنها العديد من الصور التي كان من أهمها وأبرزها عقد التأجير التمويلي.
وقد أصبح عقد التأجير التمويلي من أهم العقود التي يتم التعامل بها في عصرنا الحالي، وذلك لما يمنحه هذا العقد من قدرة على الاستثمار والتمويل في ظل عدم مخالفة أي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما حدا بالمنظم السعودي إلى وضع نظام خاص لتنظيم عقد التأجير التمويلي وهو نظام التأجير التمويلي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/48) بتاريخ 13/8/1433هـ، والذي سنخصص هذا المقال لنناقش عقد التأجير التمويلي في ضوء ما جاء به من أحكام.
أولاً: ماهية التأجير التمويلي
يعد التأجير التمويلي مصطلح مركب من لفظين، اللفظ الأول هو التأجير، واللفظ الثاني هو التمويل، لذلك فسوف نتناول بالتعريف كلاً من هذين اللفظين قبل أن ننتقل إلى تعريفهما معاً كمصطلح مركب.
1- المقصود بالتأجير
عرف فقهاء المذاهب الأربعة التأجير تحت مسمى “الإجارة”، وكان لكل منهم تعريفه الخاص على النحو التالي:
- فقهاء المذهب الحنفي عرف الإجارة على أنها عقد على المنافع بعوض[1].
- أما فقهاء المذهب المالكي فعرفوها بأنها تمليك لمنافع الشيء المباحة لفترة زمنية لقاء عوض[2].
- بينما عرفها فقهاء المذهب الشافعي على أنها عقد ينصب على منفعة معلومة ومقصودة تقبل البذل والإباحة نظير عوض معلوم[3].
- وأخيراً عرفها فقهاء المذهب الحنبلي بأنها عقد على منفعة معلومة ومباحة لمدة معلومة عن عين محددة بالتعيين أو بالوصف في الذمة، أو عمل معين بعوض معين[4].
وهذه التعريفات تتفق على أن الإجارة – التأجير – هي عقد ينصب على منفعة مباحة بشيء ما مقابل عرض محدد ومعلوم لمدة زمنية محددة.
2– المقصود بالتمويل
يمثل التمويل أحد المصطلحات التي حازت أهمية بالغة في أوساط رجال الفكر الاقتصادي، لاسيما عند اقترانه بالاستثمار أو بأحد المشروعات الاقتصادية، لذلك كانت الرغبة في تعريفه محط اهتمام من الكثيرين، فوضع له أكثر من تعريف كان أهمها وأبرزها:
- أنه عملية تشتمل على جملة من الممارسات التي تؤدي إلى التحصل على أموال من عدة مصادر متنوعة، وتحقيق أقصى قدر ممكن من الفائدة من تلك الأصول.
- إيجاد المال اللازم لتأسيس مشروع وإدارته وتشغيله وتحديد أكثر الطرق فاعلية وكفاءة لاستخدام القدر المتوافر من المال.
- تفير وتدبير الأموال التي تلزم لإقامة نشاط اقتصادي، بغض النظر عن كون تلك الأموال تعود لموارد ذاتية مملوكة للشخص نفسه أو مملوكة لغيره[5].
مما يستدل منه على أن التمويل هو عملية يتم من خلالها إمداد الشخص بالمال من قبل شخص آخر، وذلك لتحقيق أغراض اقتصادية ما.
3– المقصود بالتأجير التمويلي
وفقاً للتعريفات السابق ذكرها للتأجير والتمويل فقد تم تعريف عقد التأجير التمويلي بأكثر من تعريف، كان أبرزها أنه عقد يبرم بين طرفين الطرف الأول هو المؤجر والذي يؤجر للطرف الثاني المستأجر أصول محددة يتم اختيارها بمعرفة المستأجر، وتظل تلك الأصول مملوكة للمؤجر، ويقوم المستأجر باستعمالها لقاء أجرة محددة يتفق عليها في العقد، وتظل سارية طوال مدة سريان العقد.
ومنعاً لأي خلاف حول تعريف عقد التأجير التمويلي فقد تصدى المنظم السعودي لتعرفه في نص المادة رقم (2/1) من نظام التأجير التمويلي على أنه “1- يعد عقداً إيجارياً تمويلياً كل عقد يقوم المؤجر فيه بإيجار أصول ثابتة أو منقولة أو منافع أو خدمات أو حقوق معنوية بصفته مالكاً لها أو لمنفعتها أو قادراً على تملكها أو قادراً على إقامتها، وذلك إذا كان حصول المؤجر عليها لأجل تأجيرها على الغير على سبيل الاحتراف، وتوضح اللائحة ذلك”.
ومن خلال تعريف المنظم السعودي لعقد التأجير التمويلي يتبين لنا أنه يتميز عن سائر التعاريف التي وضعت له بأنه كان محدداً بشكل أكبر وأكثر دقة، حيث يتبين لنا ذلك من خلال:
- قرر المنظم أن الأصل الذي ينصب عليه التأجير التمويلي يمكن أن يكون عقار أو منقول أو خدمة أو منفعة أو حق معنوي.
- لا يشترط أن يكون المؤجر مالكاً للأصل محل التأجير التمويلي، بل يكتفى في ذلك أن يكون قادراً على أن يتملكه.
- أن يكون امتلاك المؤجر للأصل محل العقد بهدف وحيد وهو تأجيره للغير.
- أن يكون المؤجر في التأجير التمويلي ممارساً لهذا النشاط على وجه الاحتراف.
ثانياً: أشكال وصور التأجير التمويلي
يتسم عقد التأجير التمويلي بتعدد صوره وأشكاله، وتتعدد تلك الصور والأشكال تبعاً لأساس التقسيم الذي يتم الاستناد إليه في ذلك، وهناك أكثر من أساس يتم الاستناد إليه في هذا الشأن، ويمكننا أن نوجز أهم أسس التقسيم في النقاط الآتي بيانها.
1- الأساس الخاص بمحل العقد
يتم تقسيم عقود الإيجار التمويلي من حيث محل العقد ذاته إلى:
– عقود التأجير التمويلي العقاري: وهي عقود التأجير التمويلي التي تنصب على عقار، سواء كان هذا العقار أرض أو مباني.
– عقود التأجير التمويلي للمنقولات: وهي عقود التأجير التمويلي التي تنصب على مال منقول، والذي يدخل في إطاره كل إيجار تمويلي لشيء لا يعد عقاراً، كما هو الحال في تأجير المعدات التي تستخدم في تشييد مشروع ما.
2- الأساس الخاص بمصير ملكية محل العقد
وفقاً لهذا الأساس يتم تقسيم عقود التأجير التمويلي استناداً إلى المآل الذي تؤول ليه ملكية محل عقد التأجير التمويلي بعد انتهاء مدته، حيث تنقسم إلى:
– عقود التأجير التمويلي التمليكي: وهو العقد الذي يتم الاتفاق فيه على أن تؤول ملكية العقار أو المنقول محل العقد إلى المستأجر بعد انتهاء مدته المتفق عليه، حيث تكون الأجرة التي تسدد من المستأجر للمؤجر بمثابة قسط من أقساط الثمن، وبالتالي بمجرد انتهاء مدة العقد وانتهاء أقساط الثمن يتملك المستأجر محل العقد[6].
– عقود التأجير التمويلي غير التمليكي: وهي عقود التأجير التمويلي التي لا تنتهي بتملك المستأجر للشيء محل العقد، فلا يتضمن هذا العقد شراء من أي نوع بل هو فقط إيجار للشيء محل العقد لمدة محددة من الزمن، وبانتهاء العقد يرد محل العقد إلى المؤجر.
3- الأساس الخاص بالعلاقة بين طرفي العقد
وفقاً لهذا الأساس تقسم عقود التأجير التمويلي اعتماداً على علاقة المؤجر والمستأجر في العقد، وتنقسم العقود استناداً لهذا الأساس إلى:
– عقود التأجير التمويلي المباشرة: وهي العقود التي تتم بين طرفي العقد – المؤجر والمستأجر – بصورة مباشرة، بحيث يتم التفاوض والمناقشة بشأن العقد فيما بينهما، ثم يقوما بإبرامه.
– عقود التأجير التمويلي غير المباشرة: وهي عقود التأجير التمويلي التي تتم فيها الوساطة بين المؤجر والمستأجر عن طريق المورد الذي يقوم بتوريد محل عقد التأجير التمويلي، وتوضيحاً لذلك فإن المستأجر يتوجه للمورد يقوم بالاتفاق معه على الشيء محل عقد التأجير التمويلي، ثم يقوم المورد بالتوجه إلى المؤجر ويعرض عليه بيع هذا الشيء واستعداد المستأجر لاستئجاره، ومتى قرر المؤجر أن يوافق على إتمام تلك الصفقة فإن هناك عقدين يتم إبرامهما، العقد الأول هو عقد بينه وبين المورد بشراء الشيء محل التأجير التمويلي، والعقد الثاني هو عقد التأجير التمويلي الذي يبرم بينه وبين المستأجر، وبالتالي تكون علاقة المؤجر والمستأجر قد تمت عن طريق غير مباشر وهو طريق المورد.
ثالثاً: طبيعة عقد التأجير التمويلي وبياناته الأساسية
عقد التأجير التمويلي هو عقد من العقود الشكلية، والعقد الشكلي هو العقد الذي يستلزم المنظم فيه لانعقاده أن يتم إفراغه في شكل معين وهو الشكل المكتوب، بمعنى أن مجرد التراضي لا يكفي لانعقاده، بل يلزم إفراغ عذا التراضي في صورة عقد محرر بالكتابة، وهو بالفعل ما قرره المنظم السعودي في مستهل المادة الثالثة من نظام التأجير التمويلي وأيضاً في نهايتها، حيث قرر أن (يجب أن يحرر عقد كتابي أو إلكتروني بين المالك والمستأجر ……. ويسجل لاحقاً في سجل العقود وفقاً لأحكام هذا النظام ويلحق بسجله أي تعديل يطرأ عليه)، فقد استلزم المنظم هنا الكتابة بلفظ الوجوب، كما أوجب تسجيله في سجل العقود وأي تعديل يطرأ عليه أيضاً، وهو ما يستدل منه على طبيعة هذا العقد بأنه عقد شكلي يلزم إفراغه في شكل مكتوب.
وبجانب ذلك فقد نص المنظم السعودي في ذات المادة على أهم البيانات الأساسية التي يجب أن تتوافر في عقد التأجير التمويلي، وتتمثل تلك البيانات في:
- بيانات تتعلق بطرفي التعاقد والتي تتمثل في اسم كلاً منهما بالكامل، ومحل إقامته، ومهنته، ورقم الهوية، وغيرها من البيانات الأخرى الخاصة بهما.
- بيانات تخص الأصل المؤجر والمقصود به الشيء محل عقد التأجير التمويلي، وذلك عن طريق توضيح حالته، ومواصفاته، وكافة ما يتعلق به من بيانات ومعلومات والتي تختلف من شيء إلى آخر وفقاً لطبيعته، فالعقار يوصف بعنوانه وعدد أدواره، وإن كان أرض فضاء فبمساحتها وحدودها، وإن كانت سيارة فببيانات الرخصة وهكذا.
- بين بتحديد قيمة الأجرة التي تستحق على المستأجر، وبيان بالتواريخ التي يستحق فيها سداد تلك الأجرة.
- تحديد المدة التي يستمر العقد خلالها في سريانه، وذلك بتحديد تاريخ بدايته وتاريخ انتهائه.
- كافة الشروط الأخرى التي يتفق عليها طرفي العقد، بحيث لا يكون هناك مجالاً لإثبات أي شرط إلا بوجوده مكتوباً في صلب العقد.
رابعاً: التزامات طرفي عقد التأجير التمويلي
ينشئ عقد التأجير التمويلي التزامات على عاتق طرفيه، وسوف نوضح تلك الالتزامات في النقاط التالية.
1- التزامات المؤجر
يلتزم المؤجر في عقد التأجير التمويلي قبل المستأجر بمجموعة من الالتزامات وهي:
الالتزام بتسليم محل العقد
يلتزم المؤجر بتسليم الأصل محل عقد التأجير التمويلي إلى المستأجر، ويعتبر ذلك الالتزام أهم التزام يقع على عاتق المؤجر باعتباره السبب الأساسي من إبرام المستأجر للعقد، ويقصد بالتسليم هنا هو وضع الأصل محل العقد تحت يد المستأجر بصورة يتمكن معها من الانتفاع به وفقاً لما يحدده، وذلك دون أن يحول بينه وبين ذلك أي عائق أو مانع.
وقد عالج المنظم السعودي بنص المادة السادسة من نظام التأجير التمويلي الحالات الخاصة للتسليم، والتي يكون فيها للمورد دوراً في إتمام عملية التسليم، حيث أن للمؤجر بدلاً من أن يتسلم الأصل محل التأجير من المورد ثم يسلمه للمستأجر يمكنه أن يوكل المستأجر ليتسلم الأصل مباشرة من المورد، وقد أوجب المنظم في تلك الحالة أن يتم التسليم بموجب محضر تسليم، ويتم فيه إثبات الحالة التي عليها الأصل محل التأجير، ويوقع هذا المحضر من المورد والمستأجر، فإذا ما امتنع المورد عن التوقيع يحق للمستأجر رفض الاستلام.
الالتزام بالضمان
يعد هذا الالتزام التزاماً طبيعياً يفرضه الالتزام بالتسليم، فباعتبار أن المستأجر له الحق في الانتفاع بالأصل محل التأجير، فيلزم ألا يعوقه عن ذلك أي تعرض مادي أو قانوني من الغير، كما يلزم ألا يكون هناك أي عيب خفي بالأصل محل التأجير يقلل من قدرة المستأجر على استعماله فيما أعد من أجله، وأن يظل الأصل محل التأجير صالحاً للاستعمال طوال مدة العقد ولا يهلك قبل انتهائها.
لذلك فإن المؤجر يضمن للمستأجر أي تعرض سواء منه أو من الغير، وسواء كان هذا التعرض مادياً أو قانونياً، ويظل هذا الالتزام بالضمان قائماً منذ بداية العقد وحتى تاريخ انتهائه.
كما يضمن المؤجر للمستأجر أي عيوب خفية تظهر في الأصل محل الاستئجار وتؤثر عليه، ما لم يكن هناك اتفاقاً بين المؤجر والمستأجر على إعفاء المؤجر من ضمان العيوب الخفية، ولكن يجب أن يكون هذا الاتفاق صريحاً في العقد.
بجانب ذلك فإن المؤجر يلتزم قبل المستأجر بضمان هلاك الأصل محل التأجير، وتقع على عاتقه تبعة هلاكه أثناء فترة التأجير متى لم يكن هلاك الأصل عائداً إلى تعد أو إفراط في استعماله من قبل المستأجر، فعندئذ يكون المستأجر هو المتحمل لتبعة هلاك الأصل محل التأجير.
الالتزام الاستثنائي بنقل الملكية
أشرنا إلى هذا الالتزام بكونه التزام استثنائي نظراً لأنه ليست جميع عقود التأجير التمويلي تنتهي بتملك المستأجر للأصل المستأجر، ولكن متى كان الاتفاق في عقد التأجير التمويلي على أن يتملك المستأجر الأصل المستأجر بعد انتهاء مدة العقد، فيقع على عاتق المؤجر بمجرد انتهاء مدة العقد بنقل ملكية الأصل محل التأجير للمستأجر.
2- التزامات المستأجر
على الجانب الآخر يقع على المستأجر مجموعة من الالتزامات ينشئها عقد التأجير التمويلي في حقه، وتتمثل هذه الالتزامات في:
الالتزام بسداد الأجرة
يعد هذا التزاماً أصيلاً وأساسياً في حق المستأجر، حيث يعد هو الدافع الرئيسي لإبرام المؤجر عقد التأجير التمويلي، فيقع على عاتق المستأجر الالتزام بداد قيمة الأجرة المحددة في العقد، على أن يكون سدادها بالقيمة المتفق عليها دون أي نقصان، وأن تسدد في المواعيد المتفق عليها والمحددة بالعقد دون أي تأخير حتى يعد السداد مبرءاً لذمة المستأجر من الأجرة.
وقد أجاز نظام التأجير التمويلي الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على تعجيل بعض الدفعات المؤجلة للأجرة، وذلك متى تخلف المستأجر عن سداد الأجرة، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الدفعات المعجلة لا تتجاوز في مجملها قيمة هدد الدفعات التي تأخر المستأجر في سدادها.
الالتزام بالحفاظ على الأصل المستأجر
بجانب اعتبار أن استعمال الأصل المستأجر هو حق للمستأجر، إلا أنه لا يجوز له استخدام حقه هذا إلا في الإطار المعتاد والمعقول، فلا يتعسف في استخدامه بصورة غير معتادة، حيث يلتزم المستأجر باستعماله في الحدود التي يعينها العقد، وإن لم يرد ذلك بالعقد فيكون استعماله له بصورة تتفق مع طبيعة هذا الأصل ووفقاً لما يقتضيه العرف السائد[7].
الالتزام بصيانة الأصل المستأجر
يعد هذا الالتزام امتداداً للالتزام السابق والخاص بالحفاظ على الأصل المستأجر، حيث أنه في سبيل المحافظة عليه يلتزم المستأجر أيضاً بأن يقوم بأعمال الصيانة التشغيلية اللازمة للحفاظ على الأصل المستأجر، وذلك بمصروفات تقع على عاتقه وحده ووفق الأصول الفنية التي يتم اتباعها في مثل هذا النوع من الأصول، مع ملاحظة أن القاعدة العامة في الصيانة الأساسية – وليست التشغيلية – هي أنها تقع على عاتق المؤجر، وإن كان النظام يجيز الاتفاق على أن تصبح تلك الصيانة أيضاً على عاتق المستأجر.
ويمتنع على المستأجر أن يقوم بإدخال أي تغيير أو تعديل على الأصل محل الاستئجار تغير في صفته أو طبيعته أو طريقة تشغيله، ولكن يمكنه ذلك بعد أن يحصل من المؤجر على إذن بذلك شريطة أن يكون هذا الإذن مكتوباً، وأن يتضمن القيود والحدود التي يتم تعديل الأصل في إطارها.
الالتزام برد الأصل المستأجر
بمجرد انتهاء مدة عقد التأجير التمويلي، وفي حالة لم يتضمن العقد اتفاقاً بتملك المستأجر للأصل بانتهاء مدة العقد، وعند عدم رغبة الطرفين في تجديد العقد لمدة أخرى، فإن المستأجر يلتزم بأن يقوم برد الأصل المستأجر إلى المؤجر، مع ملاحظة أن رد الأصل لا يكون بالحالة التي كان عليها عند بدء العقد، وهذا أمر طبيعي لأن الأصل المستأجر يكون قد تم استهلاكه بنسبة استخدامه لمدة سريان العقد، بل يكون رد الأصل على الحالة التي يتفق أن يكون عليها بعقد التأجير التمويلي.
خامساً: انتهاء عقد التأجير التمويلي
الأصل في عقد التأجير التمويلي أن ينتهي بانتهاء مدته، ولكن هناك حالة ينتهي فيها هذا العقد قبل حلول الأجل المحدد لذلك، وهذه الحالة هي حالة فسخ العقد، ويفسخ عقد التأجير التمويلي متى تحققت حالة من ثلاث وهي:
- الحالة الأولى: أن يكون المؤجر والمستأجر قد اتفقا في العقد على أحقية المؤجر في فسخ العقد متى تأخر المستأجر في سجاد بعض دفعات الأجرة التي تستحق عليه، وفي تلك الحالة يحق للمؤجر اللجوء للفسخ متى تخلف المستأجر عن سداد عدد دفعات الأجرة المتفق عليها كسبب للفسخ.
- الحالة الثانية: حالة هلاك الأصل المستأجر هلاكاً كلياً، ويكون الفسخ هنا إجبارياً لانعدام محل العقد، أما إذا كان الهلاك جزئي يقلل من قدرة المستأجر في الانتفاع بالأصل، ولم يقم المؤجر بإصلاح هذا الهلاك وأعاد الأصل إل حالته الأولى الصالحة للاستخدام، فيكون للمستأجر الخيار بين اللجوء إلى فسخ العقد أو الاتفاق مع المؤجر على استمراره مع تقليل الأجرة بقدر انخفاض قدرته في الانتفاع بالأصل.
- الحالة الثالثة: أن يصدر من السلطات المختصة بالمملكة ما يحظر الانتفاع بالأصل المستأجر بشكل كامل وكلي، ودون أن يكون ذلك لسبب يرجع إلى المستأجر، ففي هذه الحالة يصبح انتفاع المستأجر بالأصل هو أمر مستحيل، وبالتالي ينفسخ عقد التأجير التمويلي وتسقط عن المستأجر أجرة الأصل منذ تاريخ صدور هذا المنع.
سادساً: الجهة المختصة بنظر منازعات التأجير التمويلي
يتبادر في أذهان البعض تساؤل هام قوامه ما هي الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات التي تنشأ عن عقود التأجير التمويلي؟ فهل تختص بها المحاكم التجارية؟ أم هناك جهات محددة تختص بنظرها؟
والإجابة على السؤال تكمن في المرسوم الملكي رقم (م/51) بتاريخ 13/8/1433هـ، والذي ورد في المادة (ثالثا/1، 2) منه أن “تشكل لجنة باسم “لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية” تختص بالآتي: أ- الفصل في المخالفات والمنازعات ودعاوى الحق العام والخاص الناشئة من تطبيق أحكام نظام مراقبة شركات التمويل وأحكام نظام الإيجار التمويلي ولائحتيهما والقواعد والتعليمات الخاصة بهما. ب- الفصل في تظلمات ذوي المصلحة من قرارات مؤسسة النقد العربي السعودي ذات الصلة، على أن يكون التظلم منها خلال (60) يوماً من تاريخ التبليغ بالقرار. ج- جميع الصلاحيات الضرورية للتحقيق والفصل في الدعاوى الداخلة في اختصاصها بما في ذلك سلطة استدعاء الشهود وإصدار القرارات وفرض العقوبات والأمر بتقديم الأدلة والوثائق. 2- لا يدخل في اختصاص لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية ما يلي: أ-الفصل في المنازعات الناشئة عن عقود التمويل العقاري المبرمة بين المستفيدين والممولين العقاريين، وعقود الإيجار التمويلي إذا كان محل المنازعة حقاً عينياً على عقار. ب- الفصل في منازعات الأوراق المالية الناشئة عن نشاط التمويل).
وهو ما يتبين معه أن لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية التي تم إنشائها بموجب المرسوم الملكي سالف البيان هي المختصة بنظر الجانب الأكبر من منازعات عقود التأجير التمويلي، ويخرج عن نطاق اختصاصها بعض المنازعات، وقد جاء المرسوم الملكي وافياً ومستوفياً لبيان هذه المنازعات بما لا نجد معه مجالاً لتوضيحها مكتفين في ذلك بالإحالة إلى ما ورد به.
سابعاً: أحكام القضاء السعودي ذات العلاقة
– الحكم الصادر من المحكمة التجارية بالرياض (الدائرة 28) في القضية رقم 438 لسنة 1442هـ بجلسة 27/2/1442هـ والمتضمن أن (وحيث أن الثابت من خلال ما ورد في صحيفة الدعوى، أن المطالبة محل الدعوى متصلة بعقد تأجير تمويلي، وحيث نصت المادة (٣) من المرسوم الملكي الكريم رقم (م/٥١) وتاريخ ١٣/٨/١٤٣٣ه على أن: (تشكل لجنة باسم لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية تختص بالآتي: الفصل في المخالفات والمنازعات ودعاوى الحق العام والخاص الناشئة من تطبيق نظام مراقبة شركات التمويل، وأحكام نظام الإيجار التمويلي, ولائحتها والقواعد والتعليمات الخاصة بهما), وحيث أن المدعى عليها مرخصٌ لها بممارسة أنشطة التمويل بموجب الترخيص رقم: (…) وتاريخ ٢٧/٤/١٤٣٥ه، الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى أن هذه الدعوى خارجة عن اختصاص المحاكم التجارية ولائياً، وداخلة في اختصاص اللجنة المشار إليها أعلاه، ما يتعين معه القضاء بعدم الاختصاص، وبناء على ذلك حكمت الدائرة بعدم اختصاص المحاكم التجارية ولائيا بنظر هذه الدعوى).
– الحكم الصادر من المحكمة التجارية بجدة في القضية رقم 254 لسنة 1440هـ بجلسة 27/2/1442هـ، والمؤيد استئنافياً بالحكم الصادر من محكمة استئناف مكة المكرمة في الاستئناف رقم 550 بجلسة 5/6/1440هـ والمتضمن أن (لما كان الفصل في الاختصاص من المسائل الأولية عند نظر الدعوى، ويجب الفصل فيها ولو لم يثرها الأطراف لتعلقها بالولاية القضائية على نظر الدعوى، ولكونها من أمور النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على خلافها، وبناء على الدعوى، وبما أن العلاقة بين الطرفين عن عقد تأجير تمويلي، وحيث إن المخالفات والمنازعات التمويلية الناشئة من تطبيق أحكام نظام مراقبة شركات التمويل، ينعقد الاختصاص في نظرها للجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية، بناء على نظام مراقبة شركات التمويل الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٥١) بتاريخ ١٣/٨/١٤٣٣هـ، مما تنتهي معه الدائرة إلى عدم اختصاص المحاكم التجارية بنظر هذه الدعوى).
ثامناً: الخاتمة
في ختام هذا المقال لا يسعنا سوى أن نثني على موقف المنظم السعودي في شأن ما قرره من قواعد وأحكام في نظام التأجير التمويلي، حيث أن تلك الأحكام جاءت متوافقة مع طبيعة هذا العقد من جهة، ومن جهة أخرى فهي تتوافق مع ما يحدث من تطور دائم ومستمر في الحياة الاقتصادية، بما يسمح له من التطور والتكيف مع هذا التطور.
كتابة: أحمد عبد السلام
[1] – شمس الدين السرخسي – المبسوط – دار المعرفة – لبنان – 1406هـ – ج15 – ص74.
[2] – محمد عرفة الدسوقي – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – دار الفكر – لبنان – 1423هـ – ج15 – ص371.
[3] محمد بن الخطيب الشربيني – مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج – الطبعة الأولى – دار المعرفة – بيروت – ج3 – ص438.
[4] – منصور بن يونس البهوتي – كشف القناع عن متن الإقناع – دار الفكر – لبنان – 1402هـ – ج3 – ص546.
[5] – طارق الحاج – مبادئ التمويل – دار الصفا للنشر – الأردن – 2002 – ص21.
[6] – علاء الدين الخصاونة – التكييف القانوني لعقد الإيجار التمويلي: دراسة مقارنة – الدار العلمية الدولية – الأردن – 2002 – ص25.
[7] – نسرين محاسنة – التأجير التمويلي في القانون الأردني مقارناً بالإجارة المنتهية بالتمليك وفق الفقه الإسلامي – مجلة الحقوق – مج 32 – ع (4) – جامعة الكويت – 2008 – ص158.