عقد احتراف لاعب كرة القدم في النظام السعودي 2023
لم تعد مجريات الأمور في أي مجال من المجالات الحياتية والاجتماعية منفصلة أو مستقلة عن المجال القانوني، فالقانون بمختلف أدواته التي يتيحها للأفراد المخاطبين بأحكامه والتي تمثل أدوات حماية وحفظ للحقوق الخاصة بهم، وكان نتاجاً لذلك ظهور بعض الأنواع المستحدثة من تلك الأدوات نتيجة تطوير الأداة الأصلية من قبل كل مجال لتتناسب مع الأنشطة والعلاقات التي تتم في نطاقه.
ولعل من أهم الأدوات القانونية التي تم تطويرها وظهرت إلى الوجود لتنظم علاقات الأفراد في المجال الرياضي هي عقود احتراف لاعبي كرة القدم، لاسيما وأن رياضة كرة القدم تمثل الرياضة الشعبية الأولى في العالم وتعد من أهم القطاعات الرياضية على مستوى العالم، وباتت عملية احتراف اللاعبين بين الأندية تمثل صفقات تقدر بملايين من الدولارات، وهو ما كان يقتضي ظهور وسيلة يمكن من خلالها حماية حقوق الأندية واللاعبين القائمين على إبرام تلك العقود، وعلى إثر ذلك ظهر ما يعرف بعقود الاحتراف، والتي ستكون موضوع تناولنا في هذا المقال.
أولاً: نظرة عامة على عقد احتراف لاعب كرة القدم
المملكة العربية السعودية هي أول الدول العربية السباقة في خوضها لمجال تنظيم احتراف اللاعبين في رياضة كرة القدم، حيث تصدرت الدول العربية التي أصدرت لوائح تنظم الاحتراف، وقامت بإصدار أول لائحة عربية تنظم احتراف لاعبي كرة القدم والتي تم الإشادة بها من قبل المجتمع الرياضي الدولي.
وتوضيحاً لماهية عقد احتراف لاعب كرة القدم فيلزم بداية أن تعرض لتعريفه، وأن نقوم بوضع بعض التعاريف للمفاهيم المتعلقة بهذا النوع من العقود، حيث أن تلك المفاهيم تعد جزءاً لا ينفصل من عقود الاحتراف.
1- التعريف بعقد احتراف لاعب كرة القدم
يعد عقد احتراف لاعب كرة القدم هو وسيلة من الوسائل التي تنظم عملية من عمليات الاحتراف الرياضي، والاحتراف في حد ذاته هو القيام بتركيز نشاط الفرد وتوجيه جهوده بصفة معتادة ورئيسية إلى أداء عمل محدد يستهدف من خلاله تحقيق الربح، وبذلك يكون عقد الاحتراف هو الوسيلة التي يتم من خلالها تنظيم العلاقة بين هذا الفرد والجهة التي يقوم لصالحها بهذا النشاط.
وبالرجوع إلى عقد احتراف لاعب كرة القدم سنجد أنه قد عرف بأكثر من تعريف، فعرف في أحدها بأنه العقد الذي يتم إبرامه لمدة محددة من الزمن بين اللاعب والنادي الذي سيلعب من أجله، ويكون بموجبه اللاعب ملتزماً بأن يمارس رياضة كرة القدم لصالح هذا النادي، وفي ظل الخضوع لما يتم من إشراف ورقابة وتوجيه من قبل النادي، وذلك جميعه نظير حصول اللاعب لجميع الالتزامات والمميزات المالية الثابتة بالعقد والتي من أهمها الأجر الذي يتحصل عليه[1].
كما عرف هذا العقد أيضاً بأنه العقد الذي يقع على اللاعب بموجبه الالتزام باللعب لصالح النادي الرياضي المتعاقد معه، ويتعهد بمقتضاه الخضوع إلى تعليمات النادي وتوجيهاته، وذلك لمدة محددة من الزمن، وفي مقابل أجر محدد ومتفق عليه[2].
وغيرها من التعاريف التي لم يتسع المقام لذكرها، والتي لم تختلف حول أن عقد احتراف لاعب كرة القدم هو الوسيلة الرئيسية لتنظيم العلاقة التي تنشأ بين اللاعب المحترف والنادي الذي سيلعب لصالحه، فيتم تنظيم العلاقة التعاقدية بينما بموجبه، وذلك في كافة جوانبها الخاصة بمدة العقد، وأجر اللاعب، وكافة الامتيازات الأخرى المالية وغير المالية التي يتحصل عنها، وخضوعه لإشراف وتوجيه النادي وتعليماته، وغيرها من حقوق وواجبات كل طرف منهما تجاه الآخر.
2- بعض المفاهيم الهامة المتعلقة بعقد احتراف لاعب كرة القدم
هناك بعض المفاهيم والمصطلحات التي تتعلق بعقد احتراف لاعب كرة القدم، وهي مفاهيم ومصطلحات لها علاقة كبير بموضوع هذا المقال وسنتعرض إليها في أكثر من موضع به، لذلك سوف نتناولها في شكل تعاريف سريعة نستقيها من النظام الأساسي للاتحاد السعودي لكرة القدم ولائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم السعودية وذلك في النقاط الأتية:
– لاعب كرة القدم المحترف: هو اللاعب الذي يتم تسجيل اسمه في الاتحاد السعودي لكرة القدم، ويكون لديه عقد مكتوب مع أحد الأندية، ويتقاضى أجراً مقابل نشاطه الكروي يتجاوز المصروفات الفعلية التي تترتب على ذلك.
– نادي كرة القدم: هو المؤسسة الرياضية أو الشركة التي تتمتع بشخصية اعتبارية، وتكون حاصلة على التراخيص اللازمة من قبل الهيئة العامة للرياضة، والمعتمدة لدى الاتحاد السعودي لكرة القدم.
– مدير الاحتراف وأوضاع اللاعبين: هو شخص طبيعي يناط به تمثيل ناديه في التواصل مع لجنة الاحتراف وأوضاع اللاعبين بالاتحاد السعودي لكرة القدم، ولك لتسوية وإنهاء كافة الإجراءات والأوراق الخاصة باللاعب.
– الأجر الشهري: هو المبلغ الذي يتقاضاه لاعب الكرة المحترف في نهاية كل شهر ميلادي، ويشمل هذا الأجر بدلات السكن والمواصلات وغيرها من البدلات الأخرى.
ثانياً: خصائص عقد احتراف لاعب كرة القدم
باعتبار أن عقد احتراف اللاعب هو عقد من العقود الفريدة من نوعها، لاسيما وأنها لم تكن معروفة قديماً ولكنها ظهرت في غضون فترة التسعينات، فقد تميزت بمجموعة من الخصائص المميزة لها والتي سنتناولها في النقاط التالية:
1- عقد شكلي
يتسم عقد احتراف لاعب كرة القدم بكونه عقد شكلي، ويقصد بالعقد الشكلي أن يكون المشرع قد استلزم لانعقاده أن يتم إفراغه في إطار وشكل معين، وهو بالفعل ما اشترطته بالفعل لائحة الاحتراف في مادتها رقم (9/6)، والتي نصت على أن (يشترط لاحتراف اللاعب السعودي الشروط التالية: … 6- أن يبرم عقد احترافي باستخدام نموذج عقد اللاعبين السعوديين المنصوص عليه في الملحق (2) من هذه اللائحة).
2- عقد معاوضة ملزم للجانبين
عقود المعاوضة هي العقود التي يحصل فيها كل طرف في العقد على مقابل من الطرف الآخر نظير ما يقوم هو بتقديمه وإعطائه لهذا الطرف[3]، وهو ما يترتب عليه أن يكون كلاً من طرفي العقد محملاً بالتزام على عاتقه في مواجهة الطرف الآخر المتعاقد معه، وهو ما يشار إليه بأن العقد هو عقد ملزم للجانبين.
ويعد عقد الاحتراف هو عقد معاوضة ملزم للجانبين، فهو ملزم للجانبين لكون اللاعب يقدم إلى النادي الذي يلعب لصالحه النشاط الرياضي المتمثل في لعب الكرة لصالح النادي ويحصل على أجره في المقابل، والنادي يقدم إلى اللاعب أجره مقابل ما يتحصل النادي عليه منه من نشاط، وكل تقدمة يقدمها أياً من طرفي العقد يقابلها حصوله على مقابل من الطرف الآخر.
3- عقد وارد على العمل
يتمحور عقد احتراف لاعب كرة القدم حول العمل الذي يقدمه اللاعب للنادي وهو أن يمارس نشاط كرة القدم لصالحه، وهذا النشاط في حد ذاته يعد بمثابة العمل الذي يقوم اللاعب به لصالح النادي، ولا يوجد تأكيد على ذلك أبلغ من النص صراحة على ذلك في المادة رقم (9/6) من اللائحة والتي ذكرناها سلفاً، حيث ورد بها عبارة (أن يبرم عقد عمل احترافي)، فقد وصفت اللائحة هنا عقد الاحتراف بأنه عقد عمل.
4- عقد زمني مستمر
يقصد بالعقد الزمني – أو المستمر – العقد الذي يكون الزمن له تأثيراً كبيراً في تحديد التزامات طرفيه، بحيث يكون تحديد ما يقع على عاتق كل طرف من طرفيه من التزامات مرتبطاً بالمدة الزمنية التي يتم تنفيذ تلك الالتزامات في غضونها[4].
وبإنزال مواصفات العقود الزمنية المستمرة على عقد احتراف لاعب كرة القدم سيتبين لنا وبجلاء أنه عقد زمني مستمر، حيث أن الزمن يعتبر عامل مؤثر في العقد، لاسيما وأن مدة احتراف اللاعب بفريق النادي يتم على أساسها تحديد قيمة المقابل المالي الذي يتقاضاه في مقابل ذلك، أي أن المدة التي يستمر تنفيذ العقد خلالها تؤثر في قيمة ما يتقاضاه اللاعب.
5- عقد يعتمد على الاعتبار الشخصي
يقصد بأن العقد يقوم على الاعتبار الشخصي هو أن يكون شخص أحد المتعاقدين – أو كلاهما – يمثل دافعاً مؤثراً على الطرف الآخر لإبرام هذا العقد، فيكون سبباً أساسياً في تعاقده معه.
ومما لا خلاف عليه أن عقد احتراف لاعب كرة القدم هو عقد من العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي، وهو كذلك سواء من حيث اللاعب أو النادي الذي يتعاقد معه، فمن ناحية النادي يكون شخص اللاعب ذو اعتبار سواء في تقدير قيمة العقد أو – من حيث الأصل – في التعاقد معه، لاسيما وأن مهارات كل لاعب وقدراته الشخصية في رياضة كرة القدم هي التي تجعله محل اهتمام للتعاقد معه من قبل النادي من عدمه، وهذه القدرات والمهارات تختلف من لاعب إلى آخر، وهو الأمر ذاته من ناحية اللاعب الذي قد يفضل التعاقد مع نادي معين دون باقي الأندية، سواء للشعور بالانتماء أو للدافع المادي الأعلى أو لغيرها من الأسباب الأخرى.
ثالثاً: التكييف القانوني لعقد احتراف لاعب كرة القدم
على الرغم من أن المنظم السعودي تعامل مع عقد احتراف لاعب كرة القدم باعتباره عقد من عقود العمل، وذلك كما ورد باللائحة كما سبق وأن أشرنا، فإن ذلك لم يمنع من وجود خلاف وجدال فقهي واسع حول تكييف عقد احتراف لاعب كرة القدم، وانقسم فقهاء القانون وشراحه في تكييف هذا العقد وطبيعته القانونية إلى اتجاهين، الاتجاه الأول ينادي بتكييفه على أنه عقد مقاولة، والثاني نادى بتكييفه على أنه عقد عمل، وسنتعرض إلى كل من هذين الاتجاهين في هذا البند من المقال.
1- الاتجاه الأول: عقد احتراف لاعب كرة القدم هو عقد مقاولة
عقد المقاولة هو العقد الذي يتفق طرفيه على أن يقوم أحدهما بصناعة شيء محدد أو القيام بعمل معين، وذلك في مقابل بدل يقع على عاتق الطرف الآخر أن يسدده له[5].
وقد استند أنصار هذا الاتجاه في تكييفهم لعقد احتراف لاعب كرة القدم بأنه عقد مقاولة إلى التشابه بين العقدين في جانب كبير من خصائصهما، حيث رأى أنصار هذا الاتجاه أنهما يتشابهان في عدة أوجه من أهمها:
- يقوم المقاول في عقد المقاولة بتنفيذ عمل ما لصالح المقاول نظير الحصول على أجر على ذلك من صاحب العمل، وهو ذاته الأمر بالنسبة للاعب الذي يؤدي عمل يتمثل في ممارسة رياضة كرة القدم لصالح النادي، والأخير يلتزم في المقابل بأن يؤدي للاعب المبالغ المالية المتفق عليها بالعقد.
- يتمتع المقاول باستقلالية في عمله قبل صاحب العمل، فلا يخضع لإشرافه أو لتوجيهاته أو تعليماته، بل يكون له مطلق الحرية في تنفيذ العمل الموكول إليه دون اعتراض من صاحب العمل، وهو ذات الأمر – من وجهة نظر هذا الرأي – بالنسبة للاعب الذي يتمتع هو الآخر بالاستقلالية أثناء ممارسته لعمله وتحركه داخل الملعب، فهو يقوم بذلك وفقاً لما يراه دون أي توجيه أو رقابة من النادي الذي يلعب لصالحه.
إلا أن هذا الاتجاه قد عارضه السواد الأعظم من فقهاء وشراح القانون، حيث وجهوا العديد من أوجه النقد التي يمكننا أن نذكر أهمها فيما يلي:
- ابتنى هذا الرأي على أن اللاعب مثله مثل المقاول الذي يتمتع باستقلالية في مواجهة صاحب العمل، فهو أيضاً يتمتع باستقلالية في مواجهة النادي الذي يلعب لصالحه، وهذا الأمر يخالف الحقيقة لأن اللاعب لا يتمتع بهذا القدر من الحرية، حيث أنه يلتزم بالخطة التي يحددها النادي من قبل مدرب الفريق، كما أنه يخضع للنادي أيضاً فيما يضعه من تعليمات تخص لياقته البدنية وأنواع الطعام التي يتناولها، لاسيما وأن لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين السعودية لسنة 2021 تستلزم في مادتها رقم (10/7) أن يحصل اللاعب على موافقة مكتوبة مسبقة من النادي الذي يلعب لصالحه قبل أن يقوم بممارسة أي أنشطة سواء كانت رياضية أو اجتماعية أو ثقافية.
- لا يتفق عقد المقاولة مع عقد الاحتراف في عنصر الأجر، حيث أن الأجر في عقود المقاولة يقدر بصورة إجمالية وجزافية عن مجمل العمل الذي يقوم به المقاول، بينما في عقود احتراف لاعبي كرة القدم يكون تقدير الأجر بشكل شهري يسدد للاعب كل شهر.
- في عقود المقاولة يكون في قدرة المقاول أن يستقدم عمال لمعاونته في عمله المنوط به بموجب عقد المقاولة، كما يمكن أن يقوم بالتعاقد من الباطن مع مقاولين آخرين للقيام بتنفيذ أجزاء من عمله، في حين أن العمل الذي يلتزم لاعب كرة القدم بتقديمه للنادي لا يجوز له يستعين بأي شخص آخر ليقوم بأي جزء من عمله، فيجب عليه تنفيذ التزامه والقيام بالعمل بنفسه.
- يمارس المقاول أعماله التي يقوم بإبرام عقود المقاولة عنها باسمه الخاص، فهو لا يمارس عمله باسم صاحب العمل ولكنه يمارسه باسمه الشخصي، بينما لاعب كرة القدم المحترف يلعب في البطولات والمباريات المختلفة باسم النادي الذي تعاقد معه، ويكون بمثابة ممثلاً لهذا النادي.
وغيرها من أوجه النقد الأخرى التي في مجملها تقطع بعدم صحة تكييف عقد احتراف لاعب كرة القدم على أنه عقد مقاولة.
2- الاتجاه الثاني: عقد احتراف لاعب كرة القدم هو عقد عمل
على إثر الانتقادات التي وجهت إلى الاتجاه السابق فقد ظهر اتجاه آخر يعتمد نظرة قوامها أن التكييف القانوني لعقد احتراف لاعب كرة القدم يتمثل في كونه عقد عمل، وعقد العمل وفقاً لتعريف المنظم السعودي في المادة رقم (50) من نظام العمل السعودي هو (عقد مبرم بين صاحب العمل وعامل، يتعهد الأخير بموجبه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه مقابل أجر).
والجانب الأعظم من الفقه القانوني – وأيضاً المنظم السعودي – قام بمناصرة هذا الاتجاه بتكييف عقد الاحتراف بأنه عقد عمل، واستند أنصار هذا الاتجاه إلى الانتقادات التي وجهت إلى الاتجاه الأول، بالإضافة إلى مجموعة من الأسانيد أهمها:
- يتفق عقد العمل مع عقد احتراف لاعب كرة القدم في جانب العمل الذي يؤديه كلاً من العامل واللاعب، حيث أن العمل الذي يقدمه العامل قد يكون في شكل شيء مادي يقوم بصناعته أو جهود ذهنية يقوم ببذلها، وهو ذاته العمل الذي يقدمه اللاعب لناديه والتمثل بتقديم جهود مختلفة – بدنية وذهنية – لتنفيذ العمل المتمثل في اللعب لصالح النادي.
- يتفق أيضاً عقدي العمل والاحتراف في جانب الأجر الذي يتقاضاه كلاً من العامل واللاعب، فالأجر يمثل عنصر أساسي وجوهري في عقد العمل مثله في ذلك مثل الأجر في عقد الاحتراف، وبدون عنصر الأجر فإن العامل لن يبرم عقد العمل، وهو أيضاً ما يصدق على اللاعب الذي لم يبرم عقد الاحتراف إلا نظير الأجر الذي يتحصل عليه، فالأجر هو سبب إبرام كل من العامل واللاعب لعقديهما.
- وكما سبق وأن أوضحنا في الانتقادات التي وجهت إلى الاتجاه الأول فإن عقد احتراف لاعب كرة القدم يختلف عن عقد المقاولة في شأن عدم تبعية المقاول لصاحب العمل وعدم خضوعه لإشرافه ورقابته على خلاف لاعب كرة القدم، بينما يتفق عقدي العمل واحتراف لاعب الكرة في أن كلاً من العامل واللاعب يخضعان لتبعية صاحب العمل والنادي، فصاحب العمل له الحق في أن يوقع جزاءات على العامل حال مخالفته لضوابط العمل وشروطه، وهو ذاته الحق المكفول للنادي قبل اللاعب حيث يمكن للنادي أن يوقع الجزاءات المناسبة على اللاعب متى صدرت منه أي مخالفة تخص سلوكه أو التزامه أو أي أمر آخر يمكن أن يعد مخالفة وتثبت نسبته إلى اللاعب، ويؤكد ذلك ما جاء بالمادة رقم (11/13) من لائحة الاحتراف السعودية، والتي قررت أن إدارة النادي تلتزم بتطبيق اللائحة النموذجية الخاصة بالعقوبات، وهو ما يؤكد سلطة النادي في توقيع عقوبات وجزاءات على اللاعب حال صدور أي مخالفة منه.
وغيرها من أوجه التشابه الأخرى بين العقدين والتي حدت بالمنظم السعودي إلى إسباغ وصف عقد العمل على عقود احتراف لاعبي كرة القدم، وإن كان المنظم قد فطن إلى أنه وعلى الرغم من ذلك التشابه بين العقدين، إلا أن عقد احتراف اللاعب يتمتع بخصوصية في بعض الجوانب التي يلزم وجود تنظيم خاص لها، وهو ما حدا به إلى تنظيم عقود الاحتراف عن طريق تنظيم مستقل يتمثل في لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم في المملكة، وإن كان ذلك لا يمنع من إقرارنا بأن عقد الاحتراف هو عقد عمل من نوع خاص.
رابعاً: إنهاء عقد احتراف لاعب كرة القدم
باعتبار أن عقد احتراف لاعب كرة القدم هو عقد محدد المدة، فإنه ينتهي نهاية طبيعية بانتهاء مدته، أو في أسوأ الحالات يمكن للنادي والاعب إنهاء العقد بالتراضي فيما بينهما قبل نهاية مدته، إلا أنه لا يحق لأياً من طرفي هذا العقد أن ينهيه بإرادته المنفردة، فإذا ما وقع ذلك من قبل أياً من طرفيه سواء اللاعب أو النادي وقام أحدهما بإنهاء العقد بإرادته المنفردة، فإن ذلك يترتب عليه أن يقع على عاتق الطرف الذي أنهى العقد مسؤولية ما ينشأ عن ذلك من تبعات.
إلا أن ذلك لا يمنع من أن المنظم السعودي في بعض الحالات قد أجاز إنهاء عقد الاحتراف قبل انتهاء مدته بالإرادة المنفردة لأحد طرفيه، ويكون هذا الإنهاء لأسباب مختلفة اعتبرتها لائحة الاحتراف أسباب مشروعة تسوغ الإنهاء المنفرد للعقد، وسوف نتناول تلك الأسباب المشروعة والمقررة للاعب بشكل مستقل عن الأسباب المشروعة والمقررة للنادي.
1- الأسباب المشروعة للاعب الكرة لإنهاء عقد الاحتراف
قررت لائحة الاحتراف السعودية للاعب كرة القدم المحترف الأحقية في أن ينهي عقده مع النادي الذي يلعب لصالحه باستخدام إرادته المنفردة في ذلك، وهو ما يعد استثناء على القاعدة العامة التي لا تجوز مثل هذا الإنهاء، وهذا الاستثناء مقرر في حالة وحيدة وهي أن يكون الإنهاء مستنداً إلى سبب رياضي مشروع يسوغ هذا الإنهاء، فما هو المقصود بالسبب المشروع الذي يبيح قيام اللاعب المحترف بإنهاء عقده مع النادي؟
بالعودة إلى لائحة الاحتراف السعودية تبين لنا أنها قد حددت أسباب الإنهاء المشروع لعقد الاحتراف من قبل اللاعب وبإرادته المنفردة، ويمكننا أن نحصر هذه الأسباب في أسباب مالية، وأسباب رياضية، والأسباب المذكورة -مالية ورياضية – تعد على سبيل المثال وليس الحصر.
أ- أسباب مالية
ورد بالمادة رقم (40 مكرر) من لائحة الاحتراف السعودية بعد تعديلها بموجب التعديل الأخير في غضون عام 2021 على الأسباب المالية المشروعة التي تبيح إنهاء اللاعب لعقد الاحتراف دون تحمله لأي تبعات عن هذا الإنهاء، وهذه الأسباب تختلف باختلاف مواعيد استحقاق المبالغ المالية المستحقة للاعب في ذمة النادي، فإذا كان تقاضيه لها وفقاً للعقد يتم بصورة شهرية كما هو الحال في الأجر والمكافآت الشهرية وغيرها من المستحقات المالية التي تسدد بشكل شهري إلى اللاعب، فإنه – طبقاً لنص المادة (40 مكرر/1) من اللائحة – يحق للاعب إنهاء العقد بإرادته المنفردة متى تأخر النادي عن سداد أجره أو أياً من مستحقاته الشهرية المتفق عليها في الموعد المحدد لذلك لمدة شهرين على الأقل، فعدم سداد هذا الأجر يمنح اللاعب سبباً مشروعاً لينهي عقد مع النادي بإرادته المنفردة.
إلا أن اللائحة قيدت استخدام اللاعب لهذا الحق بقيد هام، وهذا القيد يتمثل في ضرورة توجيه إنذار مكتوب من قبل اللاعب إلى النادي، وأن يذكر في هذا الإنذار بيانات الحساب المصرفي الخاص به، وأن يمنح النادي مهلة قدرها خمسة عشر يوماً على الأقل لسداد الأجر المتأخر عليه لصالح اللاعب.
أما بالنسبة للمبالغ المالية التي لا يتقاضاها اللاعب بشكل شهري، كما هو الحال في مكافآت الفوز بالمباريات وغيرها من المبالغ التي لا يتقاضاها بصورة شهرية، فإن اللائحة في فقرتها رقم (40 مكرر/2) قد جعلت من تأخر النادي في سدادها بما يوازي في قيمته على الأقل أجر شهرين من الأجر الذي يتقاضاه اللاعب شهرياً، أي أن مناط أحقية اللاعب في إنهاء العقد في تلك الحالة هو أن تبلغ قيمة المستحقات المتأخرة ما يعادل قيمة شهرين من أجره، فإن تحقق ذلك يستطيع اللاعب أن ينهي العقد منفرداً، مع اتباع ذات الإجراءات الخاصة بالإنذار والحساب المصرفي وفترة الخمسة عشر يوم الخاصة بمهلة الإنذار.
ب- أسباب الإنهاء الرياضية
قررت المادة رقم (41) من لائحة الاحتراف السعودية أحقية اللاعب في أن ينهي العقد بإرادته المنفردة، وذلك استناداً إلى أي أسباب رياضية قد تتبين للغرفة، والغرفة المقصودة هنا هي غرفة فض المنازعات المحلية بالاتحاد السعودي، وهي هيئة تحكيمية تختص بالنظر والفصل في أي نزاع ينشأ بين الأندية واللاعبين وغيرهم من ذوي العلاقة من العاملين بالمجال الرياضي، فيمون لها أن تحدد مدى توافر الأسباب الرياضية المبررة لإنهاء اللاعب للعقد بصورة منفردة طبقاً لكل حالة من الحالات التي تعرض عليها.
إلا أن اللائحة أوردت في ذات المادة المذكورة حالة صريحة يحق للاعب إنهاء عقده فيها لأسباب رياضية، وتتمثل هذه الحالة في أن يثبت أن النادي قام بإشراك اللاعب في مباريات خلال الموسم الرياضي بنسبة تقل عن (10%) من المباريات الرسمية التي خاضها الفريق، أي أن يكون اللعب مثلاً قد لعب 4 مباريات خلال الموسم الرياضي الذي خاص فيه فريقه عدد 50 مباراة، فيكون ما شارك فيه اللاعب هنا يقل عن نسبة (10%) من تلك المباريات الرسمية، ويحق له الاستناد إلى ذلك كسبب مشروع يبيح له إنهاء عقده بشكل منفرد.
مع ملاحظة أن المباريات التي خاصها الفريق والتي يتم على أساسها احتساب نسبة مشاركة اللاعب هي المباريات الرسمية فقط، وتكون مباريات الإعداد والمباريات الودية خارج نطاق حساب هذه المباريات الرسمية.
وقد منحت اللائحة اللاعب المحترف مهلة لكي يتمكن من التمسك بهذا السبب لإنهاء عقده، وتتمثل تلك المهلة في الخمسة عشر يوماً التالية على آخر مباراة خاضها فريقه في الموسم الرياضي الذي تحققت فيه نسبة مشاركته الأقل من (10%)، ويسقط حقه في الإنهاء على هذا الأساس متى مرت الخمسة عشر يوماً الممنوحة له دون التمسك بالإنهاء.
- ونود أن نوضح في ختام الأسباب المالية والرياضية التي تمنح اللاعب حق الإنهاء المشروع للعقد بإرادته المنفردة أن اللائحة قد حظرت استخدام اللاعب لهذا الحق الاستثنائي خلال الموسم الرياضي، وهي بذلك حافظت على حقوق الطرفين ومنعت من الإضرار بأياً منهم، حيث حفظت للاعب حقوقه في الإنهاء فور انتهاء الموسم الرياضي، وحافظت على النادي من أي ضرر قد يصيبه متى أنهى اللاعب عقده بإرادته المنفردة أثناء الموسم الرياضي وعدم قدرة النادي على سد الفراغ الذي يخلفه ترك اللاعب للفريق في هذا التوقيت الذي قد يكلف النادي خسائر بالغة في منافساته الكروية.
2- الأسباب المشروعة للنادي لإنهاء عقد الاحتراف
منحت لائحة الاحتراف للأندية عدة حالات يمكنها حال تحقق إحداها أن يقوم النادي بإنهاء عقد اللاعب المحترف لديه بإرادته المنفردة، وسوف نتعرض إلى هذه الحالات في هذا الجزء من المقال.
أ- الإنهاء لسبب مشروع
مساواة بين النادي واللاعب باعتبارهما طرفين متساويين في التزاماتهما، فإن لائحة الاحتراف السعودية قد منحت النادي الحق في أن ينهي عقد احتراف اللاعب لديه بإرادته المنفردة متى كان ذلك الإنهاء مستنداً إلى سبب مشروع، ويعد السبب مشروع متى كان مستنداً إلى إخلال اللاعب المحترف بالتزاماته أو الخطأ الذي يقع من قبله.
ونظراً لتعدد التزامات اللاعب تجاه ناديه والتي يعد إخلاله بها بمثابة سبب مشروع يبيح للنادي حق الإنهاء المنفرد، فإن اللائحة لم تقم بذكر الأسباب المشروعة التي تبيح لنادي هذا الحق، وتركت ذلك لتقدير غرفة التحكيم، والتي تقوم بذلك وفقاً لتقديرها وفي ظل الالتزامات التي تقع على عاتق اللاعب، وتقدير مدى جسامة هذا الإخلال ليكون بمثابة سبب مشروع للنادي لينهي تعاقده مع اللاعب.
ب- الإنهاء لصدور قرار من الاتحاد بحظر اللاعب من ممارسة نشاط كرة القدم
نصت المادة رقم (63/1/1) من لائحة الاحتراف السعودية على أن (1- عندما يحظر الاتحاد أو أياً من لجانه لاعباً من المشاركة في أي نشاط مرتبط بكرة القدم، فيحق في أي وقت ودون أي قيود للاعب الاستئناف مع مراعاة القوانين والأنظمة والإجراءات القانونية وبعد اتخاذ جميع الإجراءات النظامية يتم اتباع التالي: 1/1- يلغي النادي عقد اللاعب اعتباراً من تاريخ صدور القرار).
ومن نص المادة المذكورة نجد أن اللائحة قد أباحت للنادي أن ينهي عقد الاحتراف المبرم مع اللاعب بإرادته المنفردة متى صدر من الاتحاد السعودي أو أي لجنة من اللجان التابعة له قراراً يمنع اللاعب من مشاركته في النشاطات الكروية، وهذا الأمر يعد أمراً منطقياً نظراً لأن تنفيذ اللاعب لالتزامه الذي يلزمه به العقد قد أصبح مستحيل التنفيذ، وقد ورد ذلك النص في صورة آمرة لا يجوز مخالفتها، وبالتالي فإن إنهاء العقد من قبل النادي في تلك الحالة يعد أمراً لازماً أوجبته عليه اللائحة.
وإن كان يحق للاعب أن يعود إلى النادي لاستكمال مدة العقد متى كان الاتحاد قد أصدر قراره بالعفو عن اللاعب ورفع حظر المشاركة عنه، وكان عقده مع النادي لا تزال مدته قائمة، أما إذا كانت المدة الثابتة في عقد الاحتراف قد انتهت قبل صدور قرار العفو فيعد عقده منتهيا، ويحق له عندئذ أن يقوم بإبرام تعاقد آخر مع أي ناد يرغب في التعاقد معه.
ج- الإنهاء لصدور قرار نهائي من لجنة الرقابة على المنشطات بإيقاف اللاعب
يعد من الأسباب المسوغة لإنهاء النادي لعقد الاحتراف باستخدام الإرادة المنفردة أن يثبت تناول اللاعب لأحد المنشطات المحظور تعاطيها، وصدور قرار من اللجنة السعودية للرقابة على المنشطات ضد اللاعب المحترف يقرر وقف اللاعب عن ممارسة النشاط الكروي، وذلك طبقاً لما قررته لائحة الاحتراف السعودية بمادتها رقم (63/4/1).
إلا أن اللائحة هنا قيدت إنهاء النادي للعقد بقيد يتمثل في أن يكون القرار الصادر من اللجنة السعودية للرقابة على المنشطات هو قرار نهائي، ويقصد بنهائي هنا هو أن يكون القرار الصادر من اللجنة قد تم استنفاذ جميع طرق الطعن الممكنة عليه، ويكون حق النادي قائماً في إنهاء العقد بمجرد أن يصبح هذا القرار نهائياً.
د- الإنهاء لصدور حكم جنائي نهائي بسجن اللاعب
قررت اللائحة في مادتها رقم (63/5/1) سبب آخر يعطي النادي الأحقية في إنهاء عقد الاحتراف بصورة منفردة، ويتمثل ذلك السبب في أن يرتكب اللاعب المحترف جريمة ما يتم توقيع عقوبة السجن عليه داخل المملكة كجزاء له عن ارتكابها، فيكون للنادي إنهاء عقده مع اللاعب في ظل الشروط الآتي بيانها:
- أن يكون الحكم الجنائي الصادر ضد اللاعب هو حكم بالسجن، فلا يعد السبب قائماً متى كان الحكم بالغرامة مثلاً.
- أن يكون الحكم الجنائي الصادر بسجن اللاعب هو حكم جنائي نهائي، فيكون هذا الحكم قد تم استنفاذ كافة الطرق المتاحة للطعن عليه.
- أن يتم إنهاء العقد من قبل النادي بمجرد أن يصبح الحكم الجنائي نهائياً، حيث استخدمت اللائحة لفظ (إلغاء عقد اللاعب فور صدور الحكم النهائي)، ولفظ (فور) يستدل منه على أن النادي لا يجب أن يتراخى في إنهاء العقد.
خامساً: الخاتمة
بعد أن أنهينا حديثنا – الذي حاولنا أن يكون موجزاً قدر الإمكان – عن عقد احتراف لاعب كرة القدم في النظام السعودي، فلا يسعنا سوى الإشادة بالتنظيم الذي تعتمده المملكة في تنظيم نشاط احتراف كرة القدم على الصعيد الداخلي لها، لاسيما وأن لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم وفقاً لآخر تعديلاتها قد اهتمت بتنظيم كافة التفاصيل المتعلقة بعملية الاحتراف، وذلك منذ إبرام العقد بين اللاعب والنادي مروراً بتنفيذه ووصولاً إلى انتهائه، ومتضمنة في سياق ذلك معالجة حالات الإنهاء بالإرادة المنفردة.
كتابة: أحمد عبد السلام
[1] – عبد الحميد الحفني – عقد احتراف لاعب كرة القدم – ط1 – ملحق مجلة الحقوق – ع (4) – السنة (19) – جامعة الكويت – 1995 – ص33.
[2] – جليل الساعدي – عقد احتراف كرة القدم في القانون العراقي – مجلة كلية الحقوق – مج (1) – إصدار (15) – دامعة النهرين – العراق – 2013 – ص 34.
[3] – محمد السعدي – شرح القانون المدني الجزائري: النظرية العامة للالتزامات: مصادر الالتزام والتصرف القانوني (العقد والإرادة المنفردة) – ط2 – دار الهدى – الجزائر – 2004 – ج1 – ص73.
[4] – حسن الذنون – دور المدة في العقود المستمرة – دار الكتب للنشر – العراق – 1988 – ص6 وما يليها.
[5] – توفيق المصري – الجامع في أصول الربا – ط2 – دار القلم – سوريا – 2001 – ص380.
مواضيع متعلقة بهذا المقال تهمك
مقال عن كيفية كتابة العقد
أفضل محامين عقود
أفضل محامي متخصص في صياغة العقود
كيفية مراجعة العقود
كيف تتم الصياغة القانونية