الإنذار القانوني في النظام السعودي
يعد الإنذار أحد الأدوات القانونية المتعارف عليها في مختلف التشريعات العربية والغربية، وتبدوا أهميته في وضعه من وجه إليه في موضع الممتنع عن تنفيذ التزامه المدعى في حقه، وغالبا ما يتخذ شكل ورقة رسمية يتم إرسالها إلى المنذر إليه عن طريق أقلام المحضرين المختصة، إلا أن مفهوم الإنذار في نظام المرافعات الشرعية السعودي يختلف عن هذا المفهوم السائد في القانون المدني، حيث أن من يوجه الإنذار في هذا النظام هو القاضي الذي ينظر الدعوى، حيث يقوم بتوجيهه للمدعى عليه للإجابة على الدعوى المقامة ضده، ويترتب على هذا الإنذار بعض الأحكام الهامة التي تؤثر على سير الدعوى وطريقة الحكم فيها، وسوف نتناول في مقالنا هذا الموضوع من خلال النقاط الآتية:
أولا: الإنذار القانوني في النظام السعودي:
تناول نظام المرافعات الشرعية الحالات الداعية إلى قيام المحكمة بإنذار المدعى عليه للإجابة على الدعوى المقامة ضده من قبل المدعى، وأثر ذلك الإنذار على سير الدعوى، حيث نصت (المادة 67) من النظام على أنه: (إذا امتنع المدعى عليه عن الجواب كلياً، أو أجاب بجواب غير ملاقٍ للدعوى، كرر عليه القاضي طلب الجواب الصحيح ثلاثاً في الجلسة نفسها فإذا أصر على ذلك عَدّه ناكلاً بعد إنذاره، وأجرى في القضية المقتضى الشرعي).
ثانيا: المقصود بالإنذار:
الإنذار لغة هو الإبلاغ، ولا يكاد يكون إلا في التخويف، وتناذر القوم خوف بعضهم بعضا، ومنه أيضا النذر،[1] ووجه تسميته بذلك أن صاحبه يخاف إذا أخلف،[2] فيجتمع الإنذار مع الإعذار في أن كلاّ منهما إبلاغٌ مع تخويف إلا أن في الإعذار المبالغة.
ويقصد بالإنذار في مفهوم نص (المادة 67) من النظام السعودي هو تحذير القاضي للمدعى عليه وحثه على الرد على الدعوى المقامة ضده والجواب على ما ورد بها، ومن ثم يضعه في موضع الناكل عن الجواب في حالة عد إجابته رغم إنذاره.
ثالثا: إلى من يوجه الإنذار:
1- المدعى عليه في الدعوى الأصلية:
وهو كل من تقام ضده الدعوى ابتداء بطلب ادعاء حقا ما في مواجهته، وكل خصم في الخصومة إما أن يكون مدعيا أو مدعى عليه.[3]
2- المدعى عليه فرعيا:
فقد يتحقق في الخصم الواحد في الدعوى الصفتين بأن يكون مدعيا ومدعى عليه، مثال ذلك: إذا تقدم شخص بدعوى مطالبة بدين معين، فإنه يعد مدعيا، ويعد من وجه إليه الطلب مدعيا عليه، فإذا تقدم الأخير بطلب ثبوت دين له في ذمة المدعي وإجراء المقاصة القضائية، فإن المدعى عليه بالنسبة لطلبه الأخير يعد مدعيا، ويعتبر من وجه إليه الطلب مدعيا عليه.[4]
3- من وجه إليه دفع صحيح من خصمه وطلب منه الجواب عليه:
ويأخذ حكم المدعى عليه بالنسبة لأحكام الإنذار، من وجه إليه دفع صحيح من خصمه في الدعوى، وطلب منه هذا الخصم الجواب على هذا الدفع، فامتنع من وجه إليه الدفع عن الجواب.
فيعتبر في تلك الحالة من وجه إليه الدفع ناكلا، ووجب على الدائرة أن تتخذ ضده أحكام الإنذار الخاصة بالمدعى عليه، وهذا ما نصت عليه (المادة 68/2) من اللائحة.
رابعا: أوجه الجواب المعتبر في الرد على الدعوى:
يجب أن يتخذ الجواب على الدعوى الصادر من المدعى عليه أحد الأوجه الأتية ليتم به الغرض والغاية المرادة من صدوره:
أ- الجواب على الدعوى بإقرار الحق المدعى به أو إنكاره، دون إبداء أي دفع أخر.
ب- الجواب على الدعوى بالإقرار بالحق المدعى به، مع الدفع بالإبراء ونحو ذلك مما تسقط به الدعوى عند ثبوت هذا الدفع، وهو ما يسمى بـ (الدفع الموضوعي).
ج- الجواب على الدعوى بدفع الخصومة ( الدفع بعد قبول الدعوى) وذلك بادعاء تخلف شرط من شروط صحة الدعوى مما يؤدي إلى بطلانها، وذلك دون التعرض لموضوع الدعوى بتصديق أو تكذيب.[5]
خامسا: حالات توجيه القاضي الإنذار للمدعى عليه:
1- النكول الصريح:
ويتحقق ذلك بأن يصرح المدعى عليه بالامتناع عن الجواب على الدعوى بشكل كلي، وذلك بأن يحضر المدعى عليه الجلسة ويقول ( لا أخاصمك )، أو ( لا أقر ولا أنكر )، أو ( أنا ناكل )، أو (لا أجيب)، ونحو ذلك.[6]
2- النكول الحكمي:
ويتحقق ذلك بأن يصدر من المدعى عليه موقف يدل على إعراضه عن الجواب على الدعوى، كأن يظل صامتا فلا يرد طلبات المدعى في الدعوى ولا يقر بها، أو أن يصدر منه لفظ يدل على ذلك الإعراض، بأن يقول ( لا أعلم قدر حقه )، أو ( لا أخاصمه إليك ).
3- الإجابة بجواب غير ملاق للدعوى:
ويتحقق ذلك بأن يجب المدعى عليه الدعوى بجواب غير متعلق بموضوعها أو غير مطابق لها، مثال ذلك: بأن يدعي المدعى على المدعى عليه بدين مقداره 100 الف دينار، فيجيب المدعى عليه الدعوى بأن المدعي رجل ظالم أو فاسد، فالجواب هنا سواء ثبت صحته أو كذبه لا يتعلق بموضوع الدعوى ولا يؤثر في أحقية المدعي في استحقاق الدين.
4- عدم حضور المدعى عليه أو وكيله رغم إعلانه قانونا:
ويأخذ حكم الناكل عن الإجابة من وجهت إليه الدعوى وتم إعلانه قانونا بالحضور، إلا أنه امتنع على الرغم من ذلك عن الحضور للجلسة للإجابة على الدعوى، وذلك من حيث الأثر المترتب على كيفية إثبات الدعوى.
سادسا: الأثر المترتب على النكول:[7]
إذا نكل المدعى عليه عن الجواب على الدعوى سواء أكان هذا النكول صريحا أو حكميا أو بما لا يطابق الدعوى، ففي جميع هذه الأحوال يجب على القاضي اتخاذ الخطوات الأتية:
أ- على القاضي البداية أن يوضح للمدعى عليه ويفهمه بأنه يعد بموقفه هذا ناكلا عن الإجابة، ويطلب منه أن يجيب بالإجابة الصحيحة.
ب- يجب على القاضي أن يكرر على المدعى عليه هذا القول ثلاث مرات في نفس الجلسة، ومن ثم فلا يتحقق معنى الإنذار في مفهوم المادة غذا تمت المرات الثلاث خلال جلسات متعاقبة.
ج- يجب على القاضي أن ينذره في كل مره بأنه إذا لم يجب جوابا صحيحا فسوف يعده ناكلا ويجري عليه الوجه الشرعي.
د- إذا اصر المدعى عليه على نكوله عن الجواب رغم إنذاره بالشكل القانوني، كان على القاضي القيام بسماع البينة – إذا كانت لدى المدعى – ومن ثم يقضى بموجب ما تسفر عنه، لأن البينة تسمع على الناكل عن الجواب أو الساكت عنه.
هـ – إذا اصر المدعى عليه على نكوله عن الجواب رغم إنذاره بالشكل القانوني، ولم يكن لدى المدعي بينه تثبت حقه، حكم القاضي بثبوت نكول المدعى عليه عن الجواب مع الأخذ بيمين المدعي فيما يدعيه عند الاقتضاء.
والحكمة من إقرار ذلك هو ألا يكون نكول المدعى عليه عن الجواب سببا في إضاعة الحقوق والإضرار بالمدعي، وذلك مما قرره الفقهاء،[8] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار).[9]
سابعا: الصيغة القانونية للإنذار:
أوضحت (المادة 67/1) من اللائحة الخاصة بنظام المرافعات الشرعية الصيغة القانونية التي يكون عليها الإنذار الصادر من القاضي أو المحكمة ( بأن تقول الدائرة للمدعى عليه: إذا لم تجب على دعوى المدعي جعلتك ناكلًا وقضيت عليك، وتكرر ذلك عليه ثلاثًا، وتدون كل ذلك في ضبط القضية، فإن أجاب وإلا عدته الدائرة ناكلًا، وأجرت المقتضى الشرعي).
ثامنا: الإمهال في الإنذار:
قد لا يمتنع المدعى عليه عن الجواب على الدعوى بشكل مباشر إلا أنه قد يلجأ إلى طلب إمهاله أجلا للرد على الدعوى، وقد عالجت (المادَّة 68) من النظام تلك الحالة بأن نصت على أنه: (إذا دفع أحد الطرفين بدفع صحيح وطلب الجواب من الطرف الآخر فاستمهل لأجله فللقاضي إمهاله متى رأى ضرورة ذلك، على أنه لا يجوز تكرار المهلة لجواب واحد إلا لعذر يقبله القاضي).
وقد قررت (المادة 68/3) من اللائحة أن تلك المادة تشمل طلب الإمهال للجواب عن أصل الدعوى، ومن ثم فيحق للمدعى عليه أن يطلب عقب إنذاره من القاضي للجواب على الدعوى إمهاله أجلا للرد والإجابة على الحق المدعى به بأصل الدعوى المقامة ضده.
وأصل ذلك: قول عمر بن الخطاب في خطابه لابي موسى الأشعري – رضي الله عنهما – (واجعل للمدعى أمدا ينتهي إليه، فان احضر بينته، والا وجهت عليه القضاء، فان ذلك أجلى للعمى وابلغ في العذر).[10]
ويجب أن يدون طلب الإمهال والأعذار المقدمة من أحد الطرفين في ضبط القضية، فإذا قبلت الدائرة طلب الاستمهال وجب عليها تحديد قدر المهلة المعطاة للمستمهل.
على أن تقدير الضرورة المسوغة للإمهال وكذا شرعية العذر المقدم من المدعى عليه يرجع تقديرهم لقاضي الدعوى، ومن ثم يجوز للقاضي ألا يقبل طلب الإمهال، فإذا قررت الدائرة رفض طلب الإمهال واستمر امتناع المدعى عليه عن الجواب فيعد ناكلا وتسري عليه أحكام النكول عن الجواب السابق بيانها سابقا.[11]
تاسعا: بعض المبادئ القضائية التي قررتها المحاكم السعودية بشأن الإنذار القانوني:
رقم الصك: 3423451 تاريخه: 26/1/1434هـ – رقم الدعوى: 33688344 رقم قرار التصديق من محكمة الاستئناف: 3451302 تاريخه:1/3/1434هـ:
ادعـى المدعـي علـى الحاضـر معـه بأنـه قـام بسـرقة سـيارته ثـم عثـر عليها محترقــة بشــكل كامــل بعــد أخــذ بعــض أجزائهــا ، وطلــب إلزامــه بإعـادة قيمـة تلـك السـيارة إليـه – أنكـر المدعـى عليـه مـا جـاء في دعـوى المدعـي- المدعـي لـم يقـدم بينـة موصلـة وطلـب يميـن المدعـى عليـه علـى نفـي دعـواه فنـكل عـن أدائهـا بعـد إنـذاره ثـلاث مـرات بـأن عـدم أدائـه لليمـن ً يعـد ناكـلا فأصـر علـى عـدم أداء اليمـن- أدى المدعـي اليمـن طبـق مــا طلــب منــه- قضــت المحكمــة علــى المدعــى عليــه بإلزامــه بتســليم قيمـة السـيارة إلـى المدعـي- عـارض المدعـى عليـه علـى الحكـم- قـررت محكمـة الاسـتئناف الموافقـة علـى الحكـم.
رقم الصك: 346305 تاريخه: 7/1/1434هـ – رقم الدعوى: 33258094- رقم قرار التصديق من محكمة الاستئناف: 34178269 تاريخه:3/4/1434هـ:
ادعـى وكيـل المدعـي أن موكلـه اتفـق مـع المدعـي عليـه علـى الدخـول معـه في مسـاهمة لغـرض المتاجـرة بأجهـزة حاسـب آلـي وسـلمه نصيبـه مــن رأس المال علــى أن تصــرف الأرباح في نهايــة كل شــهر دون أن يتفقـا علـى نسـبة محـددة مـن الربـح، إلا أن المدعـي عليـه لـم يقـم بإعـادة رأس المال والأرباح لموكله، لـذا طلـب إلـزام المدعـي عليـه بدفـع رأس المال مــع الأرباح لموكله، أنكــر المدعــى عليــه مــا جــاء في الدعــوى جملـة وتفصيـلا سـوى أنـه اسـتلم مـن المدعـي جـزء مـن المبلغ المدعـي بــه نظيــر قيمــة أجهــزة حاســب آلــي اشــتراها منــه، طلبــت المحكمة مـن المدعـي عليـه إثبـات مـا دفـع بـه فقـدم صـورا لفواتيـر تتضمـن بيـع أجهـزة للمدعـي وعجـز عـن إحضـار أصولهـا وقـرر عـدم رغبتـه في يميـن خصمــه علــى نفــي دفعــه، طلبــت المحكمة مــن المدعـي البينــة علــى باقــي المبلغ الــذي لــم يقــر المدعـي عليــه باســتلامه فقــرر أنــه لا بينــة لديـه وطلـب يميـن المدعـي عليـه علـى نفيـه فنـكل عـن أدائهـا وامتنـع عـن بذلهـا رغـم إنـذاره بأنـه سـيقضى عليـه بالنكـول، المدعـي قـرر تنازلـه عــن المطالبــة بالأرباح، قضــت المحكمة بثبــوت تنــازل المدعـي عــن المطالبـة بالأرباح، وحكمـت علـى المدعـي عليـه بدفـع المبلـغ المدعـي بـه بعـد خصـم الأرباح للمدعـي وأفهمـت المدعـى عليـه أن لـه يميـن المدعـي أصالـة متـى مـا طلبهـا، قنـع المدعـي بالحكم وعـارض المدعـي عليـه، قـررت محكمـة الاستئناف المصادقة على الحكم.
إعداد/ المحامي أكرم محمد محمود .
[1] محمد بن يعقوب الفيروز آبادي مجد الدين، بصائر ذوي التمييز 5/24.
[2] أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، مقاييس اللغة (5/ 514) بتصرف يسير.
[3] د. وجدي راغب فهمي، د. أحمد ماهر زغلول، الوجيز في المرافعات، ص 987.
[4] د. فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، ط 1981، ص 354.
[5] عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، الكاشف في شرح نظام المرافعات الشرعية، ص 354.
[6] عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، الكاشف في شرح نظام المرافعات الشرعية، ص 323.
[7] عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، الكاشف في شرح نظام المرافعات الشرعية، ص 324.
[8] المحرر في الفقه على مذهب الإمام احمد بن حنبل 2/209، كشاف القناع عن متن الإقناع 6/354.
[9] الأربعون النووية – الحديث رقم: 32.
[10] هذا الأثر قطعة من خطاب عمر بن الخطاب لابي موسى الأشعري – رضي الله عنهما – وقد أخرجه الدار قطني في سنته واللفظ له 4/206، 207، كتاب الأقضية والأحكام وغير ذلك.
[11] الكشاف في شرح نظام المرافعات الشرعية، ص 327.